مثلما فعل الآلاف من الذين صودرت أملاكهم ظلماً وعدواناً في عهد النظام السابق وأُعيدت اليهم بعد 2003 ( هناك أقطاب في النظام الحالي فعلوا الشيء نفسه مع أصحاب أملاك ويرفضون إعادتها !!)، يحق لمجلس النواب أن يرفع لافتة كبيرة على واجهة مبناه مكتوباً فيها "عاد الحقّ الى أصحابه الشرعيين".
نعم، عاد الى البرلمان حقه الشرعي الثابت في تشريع القوانين، وهو الحق الذي اغتصبته الحكومة السابقة ظلماً وعدواناً بعون واضح وبيّن من المحكمة الاتحادية العليا التي اختارت غير مرة أن تلوي عنق الحقيقة لتحقيق رغبات السلطان المناهضة لما جاء في الدستور من مبادئ وأحكام نصاً وروحاً.
مجلس النواب العراقي كان البرلمان الوحيد في العالم الديمقراطي الذي جُرّد من واجبه الأساس ومهمته الأولى، تشريع القوانين، فقد سلبته المحكمة الاتحادية حقه وواجبه في التشريع إذ منعته من أن يصوغ بنفسه مشاريع القوانين التي يراها هو في صالح المجتمع، مع ان البرلمان عادة ما يوصف أو يشار إليه في العالم بالسلطة التشريعية لأنه جهة التشريع في الدولة الديمقراطية، أما ما عدا ذلك فهو اختراع واختلاق وتزوير درجت عليه في العادة الانظمة الدكتاتورية.
بفرح أبلغ رئيس مجلس النواب د. سليم الجبوري الصحفيين، الثلاثاء، ان المحكمة الاتحادية العليا "أعادت حق التشريع لمجلس النواب العراقي"، ما "يعيد للمؤسسة التشريعية هيبتها ويعزز دورها، ويمنحها القدرة على انجازها القوانين بشكل أسرع"، و "يفضي الى مزيد من الدعم للعملية السياسية ويعزز النهج الديمقراطي في العراق". وختم بتهنئة الشعب العراقي "على هذا الإنجاز".
بخلاف الرئيس الجبوري لستُ فرحاً بهذا "الإنجاز"، بل انني أشعر بحزن عميق وأسى موجع. إنني أنظر الى قرار المحكمة الاتحادية العليا من زاوية أخرى، هي انه إذا كان القرار الجديد يُعيد الى المؤسسة التشريعية هيبتها ويعزز دورها .... ويفضي الى مزيد من الدعم للعملية الديمقراطية... الى آخر تصريح السيد الجبوري، فمن المنطقي التفكير بان القرار القديم كان قد عمل العكس وأنتج العكس وأدى الى العكس... أي انه قد أفقد المؤسسة التشريعية هيبتها وأضعف دورها وسلبها القدرة على إنجاز القوانين بشكل أسرع، وأفضى الى خلخلة العملية الديمقراطية واضعاف النهج الديمقراطي. والواقع ان هذا بالضبط ما حصل في السنوات الأربع لحكومة نوري المالكي الثانية.
بخلاف الرئيس الجبوري أشعر بحزن عميق وأسى موجع لأن معنى كلامه ان السلطة القضائية كانت في السابق قد حادت عن طريق الصواب وفسّرت أحكام الدستور على نحو مخالف لمنطوق هذه الأحكام، وانها أذعنت لإرادة السلطة التنفيذية التي من المفترض انها هي التي تخضع لإرادة السلطة العليا في البلاد، البرلمان، وان السلطة القضائية لم تلتزم بكونها الحكم النزيه والمحايد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
إنني حزين من أجل البرلمان، ومن أجل السلطة القضائية نفسها، ومن أجل الخمسة وثلاثين مليوناً من ناس هذي البلاد الذين يتلاعب أفراد بعدد أصابع اليدين بمصائرهم، وحزين من أجل نفسي لأنني، كما غيري من الزميلات والزملاء، كنتُ كمن ينفخ في قربة مثقوبة .. أكتب في صحيفتي وأقول في المقابلات والندوات وأعلن أمام السياسيين وسواهم ان حق برلماننا مسلوب ومنتهك... ولا أحد يسمع !.. لا أحد يكترث!
البرلمان يستعيد حقّه.. وأنا لستُ فرِحاً!
[post-views]
نشر في: 15 إبريل, 2015: 09:01 م