اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > والدتنا تهدّد بالزواج من قاتل أبينا

والدتنا تهدّد بالزواج من قاتل أبينا

نشر في: 15 إبريل, 2015: 09:01 م

منذ سنوات وأنا أخوض مثل غيري في جدل العلاقة بيننا وبين الغرب، وليس سراً انني انحاز للمسار السياسي العالمي الذي يدعو لعلاقة متينة بالقوى الاوروبية واميركا، وان نحصر خلافاتنا معهم ونواصل حوارا متعقلا، يقوم بتعريف ما يريدون وما نريد، وتعريف قوتنا وقوتهم، وممكنات كل هذا، كي لا تسحقنا المبالغات. واشعر ان في ايران وكوبا الملايين من امثالي، الحالمين بنزع التوتر مع الغرب. ولا شك ان مثل هذه الافكار كانت حاضرة في كل لقاء عراقي مع الاميركان، وحظي بنقاش في المكتب البيضاوي حيث جلس اوباما مستمعا للعبادي وعبدالمهدي وزيباري الثلاثاء.
لكن علينا الانتباه الى ان الغرب، بل الشرق نفسه، يحتار احيانا في كيفية مساعدتنا، والكثير مما نسميه "مؤامرة خارجية" هو عبارة عن ارتباك الخارج في فهم الداخل، اذ لم نوضح للآخر الغربي مطلبا متوازنا متفقا عليه، وها نحن نبدو خارج بورصة التاريخ واسئلته!
وقبل نحو سنة جاء السيد وانغ يي، وزير خارجية الصين، الى بغداد، ليقدم استعراضاً تاريخياً للعلاقات، وعادت الذاكرة بالوزير الصيني الى الخمسينيات، يوم كان طفلاً في الصفوف الاولية، اذ كانت المعلمة تقول للتلاميذ: عليكم ان تتناولوا التمر العراقي المستورد! وحين سألها الوزير الطفل عن السر وراء هذا، اجابت المعلمة: ان على الصينيين ان يتناولوا تمر العراق لدعم هذا البلد التحرري!
وهكذا اقترح الوزير على بغداد، طرقاً جديدة لدعم بلدنا "الثوري التحرري"، فتحدث عن طريق الحرير القديم، وذكر أن بكين تسعى لبناء حزام اقتصادي لطريق الحرير البحري الرابط بين الصين واوروبا عبر الخليج، "فالعراق يقع في منطقة تمثل لقاءً بين طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري" لكن الوزير انتبه للحظة الى ان من الصعب ان يجد آذاناً صاغية، فقد كنا قبل سنة نستعد لاحياء طرق الدم والموت، لا سبل البزنس والتجارة، ورحنا نقوم باسكات الاصوات المتعقلة، واتاحة الفرصة لجنون داعش كي يخرب كل شيء.
ولذلك فان العالم لن ينجح في مساعدتنا طالما كان السفهاء في الواجهة، وكل تضحياتنا يمكن ان تضيع بسبب صوت السفاهة الاكثر ارتفاعا، وحتى اقدس الناس الطيبين سيفشلون في مد يد العون لاخراجنا من البركة الآسنة الفاشلة، اذا لم نتغير.
ويذكر ابو علي القالي في أماليه ان رجلاً اسمه هدبة، قتل زيادة بن زيد، وكلاهما من قريش. فجاءت وساطات من العيار الثقيل لتحول دون الثأر، ولاقناع اهل القتيل بقبول الدية. وكان بين الوسطاء العقلاء الداعين الى حقن الدم، الامام الحسين بن علي. وحين بدا ان ابن القتيل، قد اقتنع بوساطات الصلح، "نطّت" أمه وصاحت به: والله، لئن لم تذبح القاتل، لأنكحنه، فيكون قد قتل اباك، ثم نكح امك، وتصبح مسبّة بين العرب. فاستشاط الابن غضباً وقتل هدبة، واستمر الثأر بين الاحفاد اجيالاً الى ما شاء الله.
وفي بلادنا، كلما حصل مسعى لتهدئة الامور خارجياً او داخلياً، خرج ساسة وهتافون وشعارون ليسفهوا ممكنات الحل وسبل تخفيف الاحتقان، فيعلو صياحهم، اذ يحشدون للضرب بالسيوف والرماح. والنتيجة اننا حتى الآن، لا نحن ضربنا بنجاح، ولا صالحنا بإحسان.
ان التخبط والغضب يدفع البعض الى تقليد ما فعلته ام المسور، حين هددت ابنها بأن تتزوج هدبة قاتل ابيه، ان هو أنصت الى نصيحة العقلاء. ولا يوجد في الشرق او الغرب، طرف قادر على مساعدة أم المسور هذه، حتى لو التهم الغرب والشرق ما تبقى من تمر العراق ونفطه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ياسين عبد الحافظ

    .. سافترض وعلى مضض صحة القصة التاريخية للمراة المذكورة ولو انها لاتختلف عن قصة سعدى الشيرازى حول بغداد وراءحة البصل(نفس المصدر التاريخى كما يبدو)،اقول:لابد ان نتمتع بروح بشرية عامرة بالحب والحكمة والشجاعة في تصوير واقعنا،لنقل صورة واقعية جهد الامكان ، ان

  2. وميض احسان

    في دوامات السياسة والمصالح لابد ان تحضر المؤامرة، ذلك منطق التأريخ، لااظن ان الغرب بريئاً الى الحد الذي يجعله مرتبكاً في فهم اوضاعنا، ومرحلة الاستعمار الغربي للشرق الاوسط وافريقيا دليل على ان الغرب يفهم اوضاعنا وطبيعتنا بأكثر مما نفهمها نحن..وبالتالي لا ي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram