التواصل مع الناس من خلال الفن شيء رائع ونادر وجميل ويحمل الكثير من التشويق والمفاجآت ، وبشكل شخصي أسعى الى ذلك دائماً وأسحب خطواتي باتجاه كل شخص مهتم بالفن ، أفتح نافذة ملونة للتواصل وألوح بمنديلي نحو كل من يسعى لرؤية أعمالي أو حتى أعمال الآخرين . لكن أن تتحدث مع شخص واحد هو أمر مختلف عن تواصلك مع مئة أو مئتين من الحاضرين في صالة واحدة .
هذا ما اشعر به دائماً عن افتتاح معرض لي ، وهو ما رأيته أيضاً في افتتاح معرضي الجديد ( بغداد في الشمال ) في (غاليري دي لافاي ) حيث اكتظت القاعة بالحاضرين في أجواء فنية خالصة حين افتتحت المعرض الدكتورة شارلوتا هويخنس مديرة متحف باناروما مسداخ والتي تحدثت أيضاً للحاضرين عن أعمالي وتقنيتي ، هي التي تعرفني منذ عرضت في متحف العالم بمدينة روتردام الذي كانت تديره قبل أكثر من عشر سنوات .
بدأ الحاضرون يتلقفون نسخ كتاب ( نساء التركواز )الذي صاحب المعرض وقد صدر باللغتين الانجليزية والهولندية وضم 160 لوحة من لوحاتي . كان الزحام يلف القاعة بالفعل وعدد الحاضرين كبير جداً ، لهذا لم استطع التواصل معهم جميعاً ، وقد فكرت بهذا قبل الافتتاح لهذا قررت مع الغاليري أن يكون هناك يوم آخر نحتفل فيه بتوقيع الكتاب بين لوحات المعرض ليتسنى لأكبر عدد من الناس الحضور وكأنه افتتاح ثان نتواصل من خلاله وسط أجواء فنية رائعة. عموماً أحب الناس الذين يحضرون لمشاهدة أعمالي وأخلق معهم حوارات طويلة ومفيدة في الغالب ، ومن خلالهم أخلق صداقات تكون عميقة وطويلة ومفيدة . في المقابل هناك أشخاص يحضرون بمفردهم الى المعارض مثل طيف خفيف يتجولون وسط الأعمال المعروضة دون ضجيج أو زحمة أو ارباك من أحد .
اتصلت البارحة بالغاليري الذي يضم معرضي لرغبتي بالمرور ومعرفة الأخبار. عند دخولي كان الجو ممطراً في الخارج ، استقبلتني المرأة التي تعمل هناك وأشارت الى رجل يجلس على الطاولة يتصفح الكتاب الذي يضم أعمالي . وضعت مظلتي المبللة قرب الباب وأقتربت من الطاولة . رفع الرجل الغريب رأسه والتفت أليّ وهو ينهض ماداً يده للتحية ، بدا لي الوجه مألوفاً ، فقد رأيته في السابق، لكن أين ؟ مرت لحظات قبل أن اتذكره ، أنه يسكن في شارعنا ، أذكر أننا حيينا بعضنا من بعيد ذات مرة ، كنت وقتها خارجاً لأمارس الرياضة . أظهر لي قصاصة من صحيفة نشرت خبراً عن المعرض ، قد اقتطعها وحملها معه بعد أن تعرف الى صورتي . يبدو أنه قد قضى ساعة أو أكثر داخل المعرض وقد بدأ يحدثني عن الأعمال المفضلة لديه وقد رسم دوائر في قائمة المعروضات حول أسماء اللوحات القريبة من نفسه وذائقته ، كذلك أعجبته فكرة الربط بين الفن الشرقي والآرت ديكو وكيف استفدت من كل ذلك في أعمالي التي مزجت فيها الشرق مع الغرب لأعبر عن وجودي بين ثقافتين مختلفتين لكن تكملان بعضهما البعض جمالياً . تحدثنا طويلاً عن الأعمال وتقنياتها ، عن اسلوبي ومعالجتي للسطوح ، بدت لي أفكاره متميزة وجميلة واتضح أنه على اطلاع جيد بالفن رغم مظهره الذي يوحي بأنه رياضي اكثر منه شخص شغوف بالفن وأسراره وتقنياته . شربنا القهوة التي قدمتها لنا موظفة الغاليري ثم استاذنني بالخروج على أمل لقاء ثانٍ في مشغلي ، سحب خطواته خارجاً وهو يهم بفتح مظلته تحت المطر الذي لا يريد أن ينتهي ، واختفى بعيداً .
زوار من هذا النوع أيضاً لا يمكن أن أنساهم بسهولة ، فمرورهم الذي يبدو عابراً أو غامضاً فيه حضور مؤثر ويبقى في الذاكرة .
زائر المطر
[post-views]
نشر في: 17 إبريل, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...