قد يبدو المشهد الكروي العراقي أكثر غرابة لما يجري من تناقضات وتدخلات وتقاطعات حتى في أصغر التفاصيل الفنية والإدارية التي أصبحت مع مرور الزمن أمراً مبرراً لمن هم خارج مسؤولية قيادة الاتحاد وعامل ضغط على شخوص الأخير.
المشهد المتأزم لا ينتهي عند عرض الآراء والمقترحات، بل تجاوز الى حدود ممارسة الضغوط وتأجيج الشارع الكروي وتبادل الاتهامات والتنكيل لكل مَن يعارض أو بالأصح لا يرضخ لتوصيات مَن يقود حملات فرض رؤيتهم الشخصية تحت ذريعة المطلب الجماهيري ونبض الشارع وغيرها من التبريرات غير المقترنة بدليل فعلي يُتيح لهم الحديث بالنيابة عن آراء الملايين من الجماهير. بالمقابل فإن الاتحاد اصبح ينقاد نحو استرضاء تلك الأصوات حتى وإن كانت لا تمثل حلولاً منطقية تصب في صالح إدارة شؤون اللعبة.
ووسط تلك الفوضى اختفت معالم التخصص في العمل وتداخلت الواجبات ودخل الجميع في دوامة الجدال البيزنطي الذي لا نرى له نهاية ولا يمكن ان يؤدي الى توافق كامل بالطروحات سوى تفعيل الأزمات وتعطيل المصالح وتعظيم المواقف وإن كانت بسيطة وتسفيه لكل ما هو عظيم بعد ان يُرمى باتهامات جاهزة اصبحت هي إحدى الوسائل الجاهزة لإسقاط الآخرين.
مَن يستطيع ان يضرب مثلاً بأي قرار صدر من الاتحاد دون أن يصاحبه موجة من الاعتراض والتشكيك بالنوايا وبذات الوقت، هل يوجد ما يبرر المتابعة المملة لحدود أبسط الاجراءات التي تُتخذ داخل الاجتماعات او حتى تقصي الأمور الشخصية لأعضائه؟
الجواب لا يمكن ان يخرج من اطار التضييق وسلب كل مقومات الشخصية المستقلة لاتحاد من المفترض انه جاء عبر وسائل قانونية مصادق عليها بغض النظر عن ظروفها أو مطابقتها لأهواء البعض.
بالأمس تفاعلت مسألة اختيار الملاكات التدريبية للمنتخبات الوطنية بشكل مبالغ فيه وما رافقها من مساجلات كلامية تجاوزت كل أسوار اللياقة وإبداء الرأي ثم تحولت الاحداث نحو إثارة مسألة اختيار اللاعبين ومحاولة فرض اسماء معينة على الملاك التدريبي كنوع من السيطرة غير المباشرة على خياراته الفنية من خلال التلويح له بورقة محاربة الكفاءات والمغتربين وغيرها من المصطلحات ولم يكتفِ البعض بذلك، بل استمر بمنح نفسه الوصاية حتى بتحديد المعسكرات التدريبية واماكنها والمنتخبات التي من المفترض مواجهتها متناسياً دور اللجان المختصة والملاك الفني والحسابات الإدارية والمالية وغيرها .
اما اليوم فقد دخلت الجماهير في دوامة فصل جديد اكثر إثارة عنوانه اختيار البلد الذي سيحتضن مباريات منتخبنا الوطني في تصفيات كأس العالم القادمة ليجد اصحاب النيات المبيتة ثغرة يمكن النفاذ منها لتحويل الموضوع من إطاره الرياضي الى مقاصد أخرى غير بريئة.
لقد استسهل البعض طريق الشهرة وتسلق الاكتاف عبر تحريف الرسالة الإعلامية ببرامج خادعة تحصد الجوائز ثم نكتشف انها تعتمد على القرصنة الفكرية بالتلصص على مواقع الصحف الالكترونية وتصريحات وجدت من مواقع التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لهم لتمرير مشاريعهم الشخصية وانتهاج سياسة (خالف تعرف) واستثارة مشاعر الجماهير والتخفي وراء حرية الرأي من أجل تبرير أفعالهم التي تستند الى سياسة التشهير والتخوين والتسقيط لكل مَن لا يوافق رؤيتهم.
نقول: إن النقد البنّاء والتشخيص الدقيق وطرح الآراء والمقترحات من اجل التقييم والتقويم بإطار حضاري ومهني ينتهج اسلوب المصارحة والمكاشفة في تصحيح الأخطاء لابد ان يكون هو النهج السائد في الوسط الرياضي ضمن حدود تحفظ كرامة الاتحاد وشخوصه وتمنحه قيمته الاعتبارية كممثل لإدارة الكرة العراقية خارجياً وداخلياً وتعزز من ثقته في ممارسة مهامه، وبالمقابل فإن على الاتحاد ان يفرض وجوده من خلال تماسكه وتأكيد جدية خطواته وعلميتها وتعامله بشفافية مع كل الطروحات التي تخدم مسيرته كي لا يجد نفسه يوما وهو يُدار وفق أهواء برنامج رياضي لإحدى القنوات الفضائية أو رواد (الفيس بوك).
تدخلات غير مبرَّرة !
[post-views]
نشر في: 21 إبريل, 2015: 09:01 م