TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خيانة المثقفين

خيانة المثقفين

نشر في: 22 إبريل, 2015: 09:01 م

يقول المهتمون أن اول من استعمل مصطلح "خيانة المثقفين" هو المفكر الفرنسي جوليان باندا الذي وضعه عنوانا لكتابه في أواخر العشرينات من القرن الفائت. بعده بعقود استعاره نصا المفكر ادوارد سعيد ليصبح أيضا عنوانا لواحد من كتبه. قرأت الكتاب الأول قبل عشرين عاما تقريبا وتعلمت منه الكثير. صار واحدا من اهم المصادر التي تعينني في قراءة ردود الأفعال على ما اكتب. الخلاصة المهمة التي خرجت بها منه هي ان "خيانة" المثفف تختلف عن خيانة السياسي والعسكري او المسؤول. كل هؤلاء ربما أدوا قسَماً فتنعموا بمناصب وامتيازات ورواتب وربما بمكانة ما كانت تمر ببالهم ، فالخيانة هنا قد تعني حنثهم بالقسم او في سوء استخدام ما قبضوا من أجله. فكيف يكون المثقف خائنا وهو لم يوقّع تعهدا او يؤدي قسما؟ عند باندا، انه من يتنازل عن رسالته التي اختارها لنفسه طوعا ولم يفرضها عليه أحد. انها خيانة للذات. باختصار شديد يعد باندا المثقف خائنا حين ينصاع للرأي الجمعي السائد. وحين يخاف من الوحدة ويستوحشه طريق الحق ويشعر بالرعب لو وجد نفسه منبوذا من المجتمع الهائج فينساق مع القطعان التي يقودها التعصب ويغيب عنها العقل. ينتهي باندا الى تعريف المثقف الحقيقي بأنه الذي يكون على استعداد الى ان يحرق علنا او ان ينبذ من المجتمع تماما وان يبتعد عن دنيا المصالح والمناصب ابتعادا لا يقبل أدنى تنازل. ولهذه الأسباب يرجع باندا سبب قلة عدد المثقفين في العالم.
معادن المثقفين تنكشف اكثر في زمن الحروب وبالأخص العنصرية او الطائفية منها. فالمثقف الذي يخضع لقول "كن مع بلدك في الحرب حتى لو كان حاكمه دكتاتورا او مع طائفتك حتى لو كانت هي المعتدية"، خائن. ومن يصفق لمن يروّج الى أن الاحتكام الى رأي عينة عشوائية من عشرة مقاتلين، مثلا، أفضل من آراء كل المثقفين، خائن. وأقول خائن ليس بحكم القضاء او القانون بل بحسابات خيانة دوره ورسالته.
يجدر القول ان صدق المثقف مع ذاته، ليس سهلا. والنأي بكتاباته بعيدا عن الغضب السائد ربما أصعب. محزن ان تجد مثقفا أو أديبا آمن بالإنسان وبالجمال وكان كونيا في عطائه، واذا به يصاب برعب حدث رهيب فيرمي الراية ويحيل افضل ما فيه خرابا شاملا، بحسب هرمان هيسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د عادل على

    الصحفيون الاحرار والمنتقدين والشجعان مهمون في العالم الأول ويمثلون السلطه الرابعه القادرة حتى على اسقاط حكومه------وهناك صحفيون مرتبطون اما بالأحزاب او بالحكومه او الدين يعيشون على الإعلانات فهؤلاء يمشون في الخط الدى رسم لهم---اما نحن العراقيين كنا نعر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram