كان بودي أن أصطحب احد اعضاء حكومة البصرة المحلية، وقد اخص الاستاذ باسم خلف فارس، رئيس اللجنة الثقافية، في جولة حرة، نطوف خلالها الامكنة الثقافية في بغداد، نبدأ من بداية شارع المتنبي ونجوس فرحين الأفرع والأزقة التي ستفضي، غير منتهية إلى قصور ودهاليز وباحات وحدائق ومتاحف ومقاعد ومسارح تم افتتاحها لتكون ملاذات وملّذات آمنة محمية، لكل مثقف عراقي وعربي يدخل شارع الثقافة الاشهر في الوطن العربي.
تحدثتْ وسائل الإعلام عن اداء غير مرضي عنه، لمحافظ بغداد السابق، صلاح عبد الرزاق لكن أثراً ثقافيا ومعلما تم تعميره في فترة ولايته سيظل دالاً مشيرا له، فقد تم اعمار وترميم وتوسعة أحد المباني العباسية القديمة التي تقع على دجلة، من جهة شارع المتنبي اليمنى، حيث يحتشد المبنى العريق هذا، بمئات وآلاف الزائرين يوميا، ويبلغ ذروة ازدحامه كل جمعة، في تظاهرة ثقافية متنوعة، يجتمع فيها الفنان والرسام والشاعر والموسيقى وصاحب الخطاب السياسي والمحتفل بقصيدته وبائع التحف ومتسوق الاغنيات وكل من لديه توجه ثقافي، حتى لتبدو الدهاليز والساحات والحدائق قطعا ملونة متناثرة، تبعث الطمأنينة والمحبة والرضا في النفس الخارجة من أزمات السياسة الى رحبة الثقافة.
لا أعرف لماذا لا يزور اعضاء حكومتنا شارع المتنبي ويكتفون من بغداد الجميلة، بزيارة الامام موسى الكاظم، إن كانوا يدينون بدين أبي الجوادين(ع) ترى هل عنَّ على أحد منهم زيارة شارع الثقافة هذا، المعلم الثقافي الاشهر في الوطن العربي، ام أنهم ما زالوا يرون التجوال فيه معصية ومجلبة للكفر، وأستغرب مع غيري لماذا يكره أعضاء حكومتنا مفردات الثقافة ومعطياتها، ولا أعرف أين يقضي هؤلاء الليل، وبغداد فيها من مفردات السهر والجمال والمدنية ما لا يحصى ويعد.
ترى، هل مرَّ أحدكم بالكرادة ليلا، هل سمع أحدكم بمقاهي الثقافة مثل مقهى الشابندر، حسن عجمي، علي رضا، هل سمعتم أدباء العراق وهم يتحدثون في السياسة والثقافة والمستقبل والشباب والحياة الكريمة؟ هل دخل احدكم مكتبة، متجر بائع لوحات فنية، هل سهرتم بنادي الصيد ليلة، أو نادي الصيادلة، أو إتحاد الادباء وووو.هل سمعتم الانغام الجميلة التي تقدمها مع الكباب والمرق والتمن فرقة الجالغي البغدادي في مطعم مزاج أو الغوطة مثلاً، او هل وقف أحدكم امام بوابة المسرح الوطني بانتظار عزف الفرقة السمفونية العراقية.؟ أستحضر ذلك وانا اتخطى عشرات الامكنة التي تتشابه وتكرر بذات البهجة.
وللذين يكرهون الدكتور خلف عبد الصمد محافظ البصرة السابق نقول: انه انتزع من المتجاوزين عليه المبنى الحالي لاتحاد الأدباء، وكذلك مبنى البيت الثقافي، وكان جادا في تفعيل الثقافة والعمل على ممارستها من خلال اللجان التي شكلها، وتشرفتُ باني كنت أحد أعضائها، كان يبحث في دهاليز الممكنات عما يقرب الثقافة من نفوس الناس، على الرغم من كونه العضو الأبرز في حزب الدعوة. فقد ظل دائب البحث عن امكنة يستطيع البصريون فيها من العثور على انفسهم.
لم تبلغ حياة الثقافة في زمنه من تردٍ وسوء ما بلغته الايام هذه، ولا اتكلم هنا عن مقاربة أو تباينات بين قيادتين سياسيتين (د.خلف، حزب الدعوة) و(د. ماجد، المجلس الاعلى) لكني أشير إلى أن ضاحية الكرادة الجميلة، داخلها وخارجها، هي من مراكز تواجد قيادات المجلس الأعلى، وهي في الوقت ذاته، من أكثر مناطق بغداد بهجة وسعة وجمالاً، من خلال عشرات المطاعم الفاخرة، من خلال النوادي الليلية والمقاهي، وهي محمية النساء السافرات والعشاق الباكين اللائذين بخمرة العيون الزرق والسراويل الجينز، الهاربين من زحمة وتشدد وتشنجات سكان ضواحي بغداد الأخرى.
لماذا يا محافظ البصرة لا تجعل من نفسك -انت القيادي، الأبرز في المجلس الأعلى- مدافعا عن ضيق أرواحنا ونفوسنا، لماذا لا تخشى على مدنيتنا وتحضرنا وافراحنا التي يلتهمها التراب والتشدد والعنف والفحولة الزائفة، وإلى متى سنظل نبحث في دفاترنا القديمة عن من قتل فلان وعذب فلان، من شرّد فلان واهان فلان، ما لك لا تفكر بمحمية لنا، نحن الذين، لا دخل لنا في خلافاتكم السياسية والدينية والعشائرية وتجعل لنا ملاذا آمنا كالتي عليها اهل بغداد في الكرادة فالبصرة ليست كربلاء وما هي بالنجف ولا هي بالكاظمية. البصرة مدينة الشعر والموسيقى والغناء والسهر البريء اقولها وأذكّر بأنها ستكون عاصمة للثقافة العربية للعام 2018. أقولها وأنا أبصر اليوم الذي سيدخل مبناها هذا محافظ آخر، أقولها وانا مطمئن بانه سيأتي محمّلا بالبهجة كلها، حيث لا أحد يملك الزمن.
إلى رئيس اللجنة الثقافية في حكومة البصرة
[post-views]
نشر في: 25 إبريل, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ali
موضوع جميل وصريح وواقعي وابرز مافيه عبارة إلى متى سنظل نبحث في دفاترنا القديمة عن من قتل فلان وعذب فلان، من شرّد فلان واهان فلان