ان درجة العجز عن فهم بعضنا، تنمو بنحو مخيف كلما طال امد الحرب مع داعش. الى درجة ان علينا الاعتراف بان داعش مجرد تنظيم اجرامي حشر نفسه في نزاع اهلي حقيقي بين الطوائف. واختفاء داعش لاي سبب لن يحل المشكلة. اقول هذا وانا اقرأ في تقارير "المدى" حوارا غير مباشر بين شخصيات بارزة في الحكومة المحلية بتكريت مثل سبهان ملا جياد، وقادة الحشد الشعبي. الاول يقول ان حكومة تكريت كانت متعاونة جدا مع فصائل الحشد، لكنها تجد نفسها طرفا غير مرغوب فيه من قبل السلطة العسكرية، فحركة المسؤولين المدنيين مقيدة بوصفهم طرفا مشكوكا فيه، حتى ان ملا جياد يقترح حل حكومة صلاح الدين واجراء انتخابات مبكرة، لعلها تفرز مجموعة سنية يرضى عنها قادة الفصائل الشيعية!
اما قادة الفصائل التي قدمت تضحيات كبيرة في عملية طرد داعش، ولولاها لكان الوضع اصعب بالتأكيد، فيقولون انهم بصراحة لا يثقون بالعديد من مسؤولي تكريت حتى لو كانوا متعاونين مع الحشد، ومشاركين في توحيد العشائر من المذهبين في الضلوعية، لمقاتلة داعش. ولذلك فان الحشد سيبقى يرافق مسؤولي تكريت المنتخبين اينما تحركوا داخل صلاح الدين.
ان كل الاطراف ارتكبت اخطاء كثيرة قبل كارثة داعش، وبعدها. لكن حوارا كهذا بين المسؤول المدني والقوة العسكرية المنقذة من داعش، يعكس كيف انحرفت قواعد الحرب واحلام اشتراك الطائفتين في الجهد العسكري، وقواعد استعادة الثقة.
ولا يزال علينا ان نذرف مزيدا من الدموع على الجنود الذين ينفد عتادهم ويقتلون، او حوادث تشبه "سبايكرات" صغيرة، كما نبكي مدنيين يقعون ضحية القصف الجوي لمناطق الحرب.
لكن علينا ونحن نبكي بحرقة ان نتذكر، ان الاخطاء العسكرية ليست مسؤولة وحدها عما يجري، بل ان هناك تغييرا غامضا طرأ على كل خطة الحرب، وجعلها معقدة اكثر وتتطلب قدرا اكبر من الدماء دون ضمانة النجاح. ولقد كنا سعداء بان الحكومة الجديدة صارت تراجع اخطاء نوري المالكي، وباتت مقتنعة بأن التصالح مع اهل نينوى والانبار، حول القضايا الخلافية المعروفة، هو شرط لاقناعهم بأن ينخرطوا مع الحكومة في قتال داعش. وقلنا بوضوح بان بغداد لن تتمكن بدون مساعدة القوى المحلية، من تحقيق نصر معقول. ولكن منذ نحو شهرين بدأنا نسمع لهجة اخرى مفادها: تعالوا نطرد داعش اولاً، ثم نناقش بنود المصالحة.
والنتيجة ان المجتمع السني في الغالب، لا يمتلك حاليا دوافع واضحة للمشاركة في الحرب. وخلال شهور كان السنة يطلبون السلاح ليقاتلوا داعش، اما الان وبحسب ما نسمعه من النازحين مثلا، فان معظم الشباب السنة لا يثقون بمجريات الحرب ولا يحبون المشاركة فيها، حتى لو منحتهم بغداد السلاح. وكيف يمكن ان نقنعهم بالحرب ونطلب منهم ان يثقوا بالعبادي وعبدالمهدي، بينما نشك نحن بسبهان ملا جياد وحكومة تكريت المنتخبة، ونمنعها من التجوال في تكريت المحررة، الا تحت رقابة من الحشد الشعبي؟
ان اي عاقل عارف بهذا المشهد، ليس في وسعه رؤية اي نصر حقيقي في الافق، وسيقول لنا اننا سنظل نذرف الدمع على الاف الضحايا الجدد، والجنود المخذولين، لان السياسة اذا فشلت في تكوين مشروع صالح للتصديق والثقة، فان مليون دبابة لن تنفع في حسم معقول.
وقد بقينا لسنوات، نقول ان متشددي السنة قاموا بتبديد جهود المعتدلين السنة. اما الان فعلينا ان ننظر بعمق لنرى كيف ان متشددي الشيعة يخربون محاولات المعتدلين الشيعة.
الحرب ليست سوى وسيلة لصناعة استقرار سياسي، ولا قيمة للسيف اذا لم يرافقه العقل الصافي، وفي هذه اللحظة لم نعد نرى سوى بريق السيوف الدامية.
انحراف الحرب ودموعها
[post-views]
نشر في: 25 إبريل, 2015: 06:01 م