اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عار تركي عمره مئة سنة

عار تركي عمره مئة سنة

نشر في: 26 إبريل, 2015: 09:01 م

مثلما لم تنجح معركة غاليبولي في الحفاظ على كيان الدولة العثمانية منذ قرن، فشلت الاحتفالات الضخمة المرتبكة التي نظمتها الحكومة التركية بالذكرى المئوية لتلك المعركة في التغطية على المناسبة المتزامنة، وهي الذكرى المئوية للإبادة الجماعية للأرمن في تركيا العثمانية.
في أوروبا كلها، وفي غيرها من البلدان المتحضرة، حظيت ذكرى الإبادة الأرمنية بتغطية إعلامية واسعة فضلاً عن النشاطات التي نظمتها الجاليات الأرمنية وسواها ونشطاء حقوق الإنسان في هذه المناسبة.
الدولة العثمانية انتهجت طوال تاريخها سياسة التمييز الديني والقومي، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى التي اختارت فيها الدولة العثمانية التحالف مع ألمانيا، نظّمت السلطات العثمانية على مدى الأعوام 1915- 1917 مذابح وعمليات ترحيل جماعية ضد الأرمن والسريان والآشوريين والكلدان واليونانيين، وانطوت تلك العمليات على حالات إعدام واغتصاب جماعية للآلاف من النساء وإرغام مئات الآلاف على الرحيل سيراً على الأقدام آلاف الكيلومترات قبل الحصول على ملاذات آمنة في العراق وبلاد الشام وسواهما.
يقدّر المؤرخون أعداد القتلى والموتى في تلك العمليات بما يزيد عن مليون نسمة من الأرمن وحدهم وعدة مئات من الآلاف من القوميات الأخرى. وتؤكد الوثائق ان كل ذلك جرى في إطار سياسة ممنهجة، ما حمل العديد من الحكومات والمنظمات الدولية، وبينها منظمة الأمم المتحدة، على وصف ما جرى حينذاك بانه "جينوسايد"، أي عملية إبادة وتدمير جماعية على أساس عرقي أو ديني.
لم يعترف كمال أتاتورك، الذي أقام الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية، بتلك الجريمة، بل أنكرها، وعلى خطاه مشى خلفاؤه جميعاً وصولاً الى الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي من الواضح انه يعمل لإقامة دكتاتورية متوحشة جديدة في بلاده.
في الخطاب الذي ألقاه يوم الجمعة الماضي في الاحتفال بمئوية معركة غاليبولي، وجّه أردوغان دعوة لـ"تحويل آلامنا المشتركة الى أداة تشجع على الأخوة والسلام (...) وتكون دواء ضد الإرهاب والعنصرية والإسلاموفوبيا والكراهية". هذه الدعوة موجهة في المقام الأول الى البريطانيين والفرنسيين الذين كانت قواتهم تحارب في الطرف المقابل للقوات العثمانية في تلك المعركة، فيما لم يشأ أن ينشد السلام مع الأمم الأخرى التي كانت ضحية للجينوسايد العثمانية.
لن يكون في وسع أردوغان، حتى لو أرسى دعائم دكتاتوريته المتوحشة الصاعدة، أن ينجح في ما فشل فيه أسلافه الأتاتوركيون في طي تلك الصفحة السوداء المشينة في تاريخ الدولة العثمانية والدولة التركية الحديثة والأمة التركية، فعار تلك المذابح والويلات سيظل يلاحق الأتراك جميعاً إلى أن تأتي قيادة لهم تقرّ بما سجّله التاريخ وظلت شواهده قائمة حتى اليوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. muneeb

    السيد عدنان حسين المحترم انا من المتابعين والمعجبين بمقالاتك لدي تعقيب الافضل القول بان عار تلك المذابح والويلات سيضل يلاحق الحكام الاتراك بدلا من الاتراك جميعا الذي يوحي بعنصريه انت بعيد عنها

  2. ابوعمر

    عزيزي الكاتب القدير السلام عليكم بادئ ذي بدء أسجل اعتزازي وتقديري لما تكتبه من مقالات في الوجع العراقي. سيدي... آلمني ما جاء من تزييف للحقائق بهذه المقالة - وانت الكاتب الموضوعي-، وكان الأجدر أن تتحرى عن الحقيقة المجردة دون أن تردد ما دأب الإعلا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram