يركض الوطن، مذعوراً، في رأسي نحو جميع الاتجاهات، بينما أجهد للإمساك به.
أقاوم اليأس حتى اليأس من مقاومتي.
أقدار الوطن هي أقدار الناس فيه، على أن الحزن الشخصي على حياة الناس ومصائرهم يثقب القلب عميقاً أكثر من الحزن العام رغم أن الحزن العام يتألف من الأحزان الشخصية.
الحزن عندما يكون شاسعاً بحجم بلاد يصبح نوعاً من الفيروس الذي لا علاج له.
لكن ماذا يفعل الواحد إذا تعرض لمئات الفيروسات التي لا يمكن إحصاؤها أو تسميتها؟
حاسوبي الشخصي الـ PC والـ IPad والـ Iphone ثلاثتها تحت إمرتي ولا أحيا من دونها، لكنها تصاب بما أصاب به من تشوش فكري أو حتى فايروسات تغزو رأسي، على مدار اليوم، رغم أنني مزود بحماية ذاتية ضد هذه الفيروسات، وهي أكثر من أن تحصى.
ينشأ تشوشي الفكري وفوضاي الشخصية من أسباب لا تحصى أيضا، ومنها إنني أعجز دائما عن اللحاق بأفكاري:
• الأرض التي تحترق تحت أقدام الوطن وهو يركض فزعاً في مختلف الاتجاهات.
• كيف لي أن أسهم في قراءة الماضي الثقافي (تراث، دين، نصوص مقدسة، أدب لم يفلتر كما يجب، فن مشوش، قيم قديمة تعطل القيم الجديدة ... إلخ) بلا مسبقات قرائية، واحدية، لأجعله (ماضينا الجمعي) لائقاً بالحاضر ومعيناً على المستقبل.
• ما قيمة "إيماني المتعصب" جداً بفكرة اللاعنف وسط عالم عنيف جداً؟. لو كان المهاتما غاندي حاضراً، اليوم، هل كان سيكتفي بفكرة وعنزة لينتصر على قوى العنف والإرهاب واستعمار الإنسان روحيا وعقلياً؟
• لماذا كانت في العالم الإسلامي آلاف المكتبات بينما أوروبا تغط في عصورها المظلمة؟ اليوم في أوروبا آلاف المكتبات والعالم الإسلامي في عصوره المظلمة يستضيء بحرق الكتب؟
• كيف يمكن التمييز بين مثقف، حُسِبَ، يوماً ما، على ثقافة البعث لكنه استعاد وعيه ونبض ضميره ليسهم في ثقافة تنويرية، جمالية، بشغف واجتهاد عظيمين، في ثقافة ما بعد البعث، ومثقف آخر أصر، وما يزال، على بعثيته الثقافية؟ أم تراهما سواء في التزوير والمخاتلة؟ هل ثمة درجة واحدة في الحكم عليهما، قانونياً وأخلاقياً، أم ثمة درجات؟ ما هو الحد الفاصل بين التسامح والحكم بالإعدام (ثقافياً)؟
• أعترف بأن حماسي الشعري تراجع، منذ أيام، إزاء ضغوط عدة، منها ما هو شخصي ومنها ما هو وطني وإنساني، وهذا تحت وطأة شعور بجدوى الشعر في زمن العنف والإرهاب والجوع والتهجير واليأس والفوضى. ثمة من يقول إن قصيدة جديدة تزيد من مساحة الأرض الحرام بين المتحاربين وتحرض على السلام. وثمة من يقول: كتابة قصيدة لا تخبز رغيفاً واحداً.
• في حواراتي المتكررة مع صديقيَّ السورييْن تتكرر الثنائيات التي يضعانني فيها:
هل أنت مع بشار الأسد أم مع المجاهدين الإسلاميين الذين يحاربونه؟ فأحار، إذا قلت أنا ضد المجاهدين الإسلاميين يتهمني بأنني مع بشار الأسد. وإذا قلت أنا ضد بشار الأسد يتهمني صديقي الثاني بأنني مع الإرهابيين. وتصح الثنائية نفسها مع أصدقاء عراقيين وعرب عند الحديث عن الوضع في العراق واليمن ولبنان ومناطق أخرى مبتلاة بثنائيات أخرى. أما إذا قلت أنا ضد الطرفين لأن أيا منهما لا يمثلني ولا يترفق بأحلامي الصغيرة بالحرية والعدالة والسلام الاجتماعي يتهمونني بأنني كائن نهلستي، تغليسي، بعيد عن الواقع وبلا موقف!
• وأنا أكتب هذا العمود قال مذيع العراقية (السبت 18 أبريل): تمكنت القوات العراقية والحشد الشعبي من قتل 150 إرهابياً في الرمادي. لكنني منذ تحرير تكريت لم أر غير صورة عزت الدوري التي لم تزل تخضع للمعاينة والتأكد من أنها للدوري نفسه... أين جثث القتلى أو الأسرى من الإرهابيين؟
الأرض تحترق تحت أقدام الوطن
[post-views]
نشر في: 27 إبريل, 2015: 09:01 م