TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا نكتب؟

ماذا نكتب؟

نشر في: 28 إبريل, 2015: 03:18 م

من امتع ما قرأت خلال الاسابيع الماضية طبعة جديدة من كتاب "لا مذكرات" لاندريه مالرو، وهي ليست المرة الاولى التي اقرأ فيها هذا السفر العجيب، ففي الثمانينات قرأته باكثر من ترجمة، لكن امتعها ما قدمه لنا بلغة شفافة الشاعر المصري الراحل فؤاد حداد، احد ابرز شعراء العامية المصرية، شيوعي من جيل انتصر لهوية المواطن، ضد فرض هوية واحدة من فصيل واحد على الوطن، صاحب الاغنية الشهيرة "المسحراتي" واول من ترجم اشعار اراغون الى العربية.
عندما أصبح الجنرال ديغول رئيساً لفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية كان من بين أوائل التوقعات أن يكون العسكر أول مَن يدخل معه الى قصر الإليزيه، لكن المفاجاة كانت في ان جنرال فرنسا أرسل في طلب ثلاثة من كبار كتاب باريس، فرانسو مورياك وبول فاليري وأندريه مالرو، فقد كان يؤمن ان مجد فرنسا لا يستعاد بأصحاب الرتب والنياشين، وإنما بإفساح المجال للعقول الكبيرة.
حين وقف مالرو أمام ديغول بادره الأخير بالقول "المستقبل أولاً" وكان ذلك بالنسبة لمارلو مفاجأة. فهو كان يريد ان يقول للجنرال إنه خاض معارك من أجل العدالة الاجتماعية، وانه منذ عامه العشرين انطلق خارج فرنسا باحثاً عن المغامرة الإنسانية.
في باريس التي عاد إليها جريحا يسأله ألبير كامو هل سنضطر يوما لأن نختار بين روسيا وأميركا؟ فيجيب بحدة "الاختيار لن يكون إلا بين فرنسا قوية وفرنسا ضعيفة مستباحة مهانة تبحث عمن يحميها".
في كل يوم نتابع الاخبار، فنجد أنّ هناك اكتشافاً جديداً يقدمه لنا احد السياسيين، وكان اخره "تكميم الافواه"، وأتمنى عليك ألّا تبحلق في الكلمات تعجبا وتشمتا وتذمرا، نعم نحن لدينا من يقرر ان يفرض رأيه ولو بقوة السلاح.
يقول الجنرال ديغول لوزير ثقافته مالرو "بيني وبينك هل هناك ما يستحق الكتابة عنه"؟
ماذا نكتب نحن الصحفيين الخائفين على جلودنا من ان تسلخ في مسلخة المتبارين على كراسي السلطة، سوف نجرب ان نعرف لماذا يتصارع الاشقاء ورفاق الديمقراطية، سوف لا نسمع سوى الصراخ، الذي لايعيد روحا بريئة ازهقت ولا يهدئ روع طفل مشرد، ولا يوقف دموع ام ثكلى. وامام هذه الهموم الكبيرة يكون همنا نحن الصحفيين صغيرا، ونحن نبحث هو ان اكتب عن شيء يدعى وطن، عن مدن لا تملك الوقت لأن تدفن ابناءها.
تصور أنك تكتب عن النائب، فيما هو أصبح وزيرا. وأنك تكتب عن الخوف من السيارة المفخخة، فيما هناك عبوة تنفجر امامك، الأخبار في بلادنا العجيبة واحدة تمحو الاخرى، ونحن نتحول من فقاعة الى فقاعة.
بالامس سُأل رئيس البرلمان العراقي عن رأيه بالوضع الامني فقال: "المشكلة ان لدينا اعلام يضخم الامور، ويحاول ان يثير البلبة".
جواب مقنع ياسيدي،فكل شيء هاديء على ضفاف دجلة، مع الاعتذار للالماني ريماك، لانني سطوت على عنوان روايته الشهيرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram