TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خير السلاح سبابووو

خير السلاح سبابووو

نشر في: 28 إبريل, 2015: 09:01 م

في زمن الاحتلال العثماني ، لم يجد "غفار الأخرس" مصدرا للحصول على رزقه اليومي الا عن طريق التسول والانضمام الى مجاميع "المكادي " المتسولين، غفوري لم يكن يمتلك وسائل كسب عطف المارة في ازقة بغداد القديمة فاستعان بشخص يردد عبارات المكادي للحصول على "بارة " اصغر عملة معتمدة ، لها قدرة شرائية للحصول على القوت اليومي .
احد مساعدي "غفوري الاخرس " أي الناطق باسمه ، كان عصبي المزاج ، يجيد إلقاء ديباجة التسول ، لكنه حين يرفض المارة الاستجابة لطلبه ، يشغل منظومة الشتم والسباب ، فيهرب من المكان ، ليشاهد من بعيد مشهد الاعتداء بالضرب والركلات الموجهة لغفوري من دون أن يعرف السبب ، فيتبرع احد الاشخاص مستخدما لغة الاشاره فيخبر غفوري بان مساعده شتم المارة ، وعليه ان يتحمل دفع الضريبة ، يتوجه الاخرس الى مكان آخر عسى ان يعطف عليه احد ويحقق امنيته في الحصول على البارة .
غفار الاخرس تعرض لاكثر من اعتداء بسبب مساعديه الناطقين باسمه اثناء جولة الاستجداء اليومية ، فهو لايسمع ما يقال وليس له القدرة على بيان وجهة نظره لافراد الجندرمة فيتلقى منهم الضرب بالعصي مع تهديد بالسجن في حال تكرار شتم المارة بسباب يخدش الحياء يجمع مفردات عربية وعثمانية.
بعد مرور قرابة اكثر من قرن على وفاة غفوري الاخرس ، ظهر جيل من الناطقين باسمه ، حملوا شعار " خير السلاح في العراق السباب والشتم " فسخروا مواهبهم لمن يحتاجها للنيل من الخصوم ، بمعنى آخر وظف اصحاب الشعار خبراتهم وسيلة للتسقيط مقابل الحصول على ثمن ، فاحتفظت الذاكرة الشعبية باقوال وقصائد هجاء بحق اشخاص لم يتخلصوا منها حتى بعد وفاتهم فانتقلت الى الابناء والاحفاد .
استخدام السباب والشتم يرتبط باحتدام الصراع بين القوى السياسية ، والعراق المعروف عنه بانه لم يشهد مظاهر الاستقرار السياسي بفعل سعي جميع الاطراف من احزاب وطوائف وفئات للوصول الى السلطة سواء بدعم خارجي او بانقلاب عسكري ، اعتمدت جميع الاطراف وبلا استثناء سلاح السباب ولاسيما بعد امتلاكها الصحف للنيل من الخصوم وتسقيطهم .
العودة الى الصحف الصادرة قبل عشرات السنين ، ستعطي دليلا واضحا عن مستوى الصراع السياسي ، والرغبة في الوصول الى السلطة ، واستخدام السباب سلاحا عراقيا كمظهر من وسائل الاحزاب والقوى السياسية في خوض المعترك النضالي ، هذا الحزب رجعي مرتبط بدول استعمارية والآخر طائفي عشائري ، والحزب الثالث لايمتلك رصيدا جماهيريا ، وعلى هذا المستوى من السباب والشتائم ، اصبحت الساحة خالية فاستطاع احد الاحزاب السيطرة على السلطة ، فاصبح منافسوه عملاء ، يستحقون عقوبة الاعدام بتهمة الخيانة العظمى .
الواقع العراقي الراهن بكل اضطراباته ونكباته وسوء اوضاعه الامنية ، فيه من يحاول اعادة الحياة لشعار "خير السلاح سباب" لتحقيق اهدافه في الوصول الى السلطة، بطريقة واسلوب الناطقين باسم المرحوم غفوري الأخرس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram