لن يستطيع الخارج تقسيم الداخل الا حين تعجز القوى الداخلية عن بناء موقف متماسك بالحد الادنى الذي يفرض احتراما ومهابة للكيان السياسي الكبير. اما حين يبدأ الخارج بالحديث باستهانة عن الداخل فان هذا مؤشر على نقص رهيب في المهابة. وصناعة المهابة لا تتطلب سيوفا ورماحا بل استعراض ممكنات السياسة مع ابناء الوطن ومع المحيطين الاقليمي والدولي.
طوال سنوات كنت اسأل فريق نوري المالكي: اذا كنتم تريدون ان تتسببوا في سعادة السعودية وقطر (لان الدعاة كانوا يتهمون امثالي بالعمالة لقطر والسعودية).. فان عليكم تحريك الجمود السياسي والانصات للشركاء الداخليين واستبعاد الاغبياء عن ناصية القرار.. وهكذا سنبني نواة راسخة لمهابة اقليمية ودولية تجعل خصوم العراق يشعرون بالاسى!
وطوال شهور بعد الاطاحة بالمالكي بقينا نكتب دونما ملل: ان البطء السياسي لن يجري فهمه في واشنطن. وان الفشل في موازنة العلاقات الاقليمية لن يجري فهمه في عواصم المنطقة. وان عدم وضع خطة مشتركة لصوغ امن جديد وادارة بصلاحيات جديدة في المحافظات الساخنة.. سيجعل المجتمع الدولي يتحرك نحو القوى السنية.. اذ لا يمكن ان نترك المناطق السنية بلا حماية من جيشنا ولا نقوم بتسليح حرس وطني خاص بها كما لا نسمح لاحد من الخارج بمساعدتها، وهذا يعني اننا سنترك القوى السنية مذبوحة على يد داعش او اي طرف مسلح اخر يتصرف بمنهج التشدد والعنف من المكونات الاخرى.
ان النواب الجمهوريين الذين صاغوا مشروع القرار حول تسليح مستقل للبيشمركة والمتطوعين السنة، يتحدثون عن شقين. الاول ان البيشمركة اصبحت قوة معترفا بها في الحرب الدولية على داعش، وان الاكراد يعرفون كيف يصوغون علاقاتهم الدولية ويكسبون الثقة، وان يحسبوا المسافة جيدا مع طهران وواشنطن في الوقت نفسه.
اما الشق الاخر من الرسالة "الكونغرسية" فهي: اما ان تعترفوا بسنة العراق كقوة سياسية تمتلك قوة دفاع ذاتي.. او ان الاطراف الدولية ستقوم بذلك.
ومعنى هذا ان الامر لم يعد خيارا قابلا للنقاش، بل اتفاقا تم مع الاطراف السنية اثناء تشكيل حكومة الدكتور العبادي، وكانت واشنطن طرفا ضامنا في هذا الاتفاق. ولا معنى ان يحاول التحالف الوطني ان يتنصل اليوم عن اتفاق كانت واشنطن ضامنة له. والقول بان تنفيذ الاتفاق حول الحرس الوطني واللامركزية وسواها، سيجري تاجيله الى ما بعد طرد داعش، هو انحراف في مسار الحرب كما اسميته قبل اسبوع في هذا العمود. وحين تنحرف الحرب فان الاتفاق الدولي لدعم بغداد يمكن ان ينحرف ايضا. وألف شتيمة توجهها بغداد للكونغرس لن تغير حقيقة ان العجز عن تحريك حوار الداخل سيدفع الخارج للتدخل. وحين تتدخل طهران فان الرياض ستشتهي ان تتدخل ايضا. اما اميركا وهي "اكبر لاعب روليت في الشرق الاوسط" حسب وصف سمعته من نائب لبناني قبل يومين، فهي تتدخل في شأن العالم كله، بطلب من اهم القوى الدولية كما تعلمون.
لقد كنا نلح لشهور من اجل تحريك الحوار وعدم التهرب من الاتفاقات. وسبب الالحاح هو ان نتجنب هذه اللحظة حيث يقرر الخارج ان يتدخل بقوة في الداخل. والاوان لم يفت بعد. ومن حسنات حركة الكونغرس انها يمكن ان تضغط على التحالف الوطني كي يعود لطاولة الحوار. ولن يكون حوارا مع القوى السنية فقط، بل لابد ان يكون في الوقت نفسه حوارا مع طهران، التي يجب ان تضع في الحسبان كل كلمة وردت في مشروع قرار الجمهوريين، وان تفهم جيدا ماذا يمكن ان يحصل لنا ولها من ويلات اضافية، اذا خربت تفاهمات بغداد وواشنطن، حيث سيصبح تقسيم العراق ابسط الكوارث المحتملة.
تقسيم العراق!
[post-views]
نشر في: 29 إبريل, 2015: 09:01 م