جرى أمس حديث ساخن في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن موضوع كان البعض يرفع سلاح التخوين بوجه كل من يتحدث به، وأعني به تقسيم العراق، وكانت المسألة الكبرى في هذه البلاد هي ادعاء البعض انهم يقفون ضد محاولات أميركا لتجزئة البلاد، ونراهم كل يوم يشتمون رامسفيلد صباحا، وبريمر ظهرا، ونتنياهو مساء، فيما ظل البعض حتى مساء الامس يعتقد اننا شعب "انبطاحي" يسير وراء حكومة ذليلة خانعة لارادة اوباما.
من يخاف من التقسيم؟ ليس الساسة بالتاكيد، فهم في سرهم مرتاحون إلى تشكيل المقاطعات الطائفية، وقد ملّوا في جلساتهم الخاصة ترديد نشيد موطني، وأوكلوا المهمة للمطربة إليسا التي استبدلت الطاء بحرف التاء، لايهم موطني أو موتني، فنحن شعب ارتضى ان تعيش كل مجموعة فيه تحت راية مذهبية، لنتحول من وطن أُريد لها ان يكون قويا وفاعلا، الى أوطن مسكين و مفكك، مأساته ليست في خطب أوباما وقرارات الكونغرس، وتحمس الجمهوريين لمشروع بايدن، وإنما في الداخل الذي يريد القائمون عليه ان نعيش معهم أغبى وأسوأ مرحلة في تاريخنا.
من كان يتوقع ياسادة أننا نقرأ كل يوم خبر مقتل العشرات وتشريد المئات، ونشاهد صور الجثث المجهولة الهوية، ثم نغلق التلفزيون ونرمي الصحيفة جانبا، ونحن نردد مع أنفسنا، أنها ألاعيب الصهيونية وتفانين المستعمر، في الوقت الذي يسير فيه البلد الى الوراء بكل شيء، في الاقتصاد، والامن والتعليم والصحة، المكان الاول فيه لنواب الطوائف ومسؤولي التوازن الذين يصرون على ان ينزلقوا بالبلاد والعباد إلى منحدر يبدو بلا قرار، لانهم يعتقدون ان الاختلاف هو الطريق السهل للابتزاز وممارسة الضغوط وتحقيق المطالب، ليغيب صوت العقل والمنطق، لأن البعض أغلق أذنيه عن سماع الأصوات التي لا تعجبه.
أعرف وكما يعرف جميع العراقيين ان الكثير من ساستنا لم يستوعبوا بعد، فكرة ان التغيير الذي حصل عام 2003، يعني في المقام الاول التخلي عن عقل احتكار السلطة، وان العملية السياسية لم تعد تحتمل جدالا، هل أنت مع الشيعة أم تدافع عن السنة؟، أعتقد ان السؤال اليوم هو في كيفية صناعة نظام ديمقراطي بعد عقود من السلطة المطلقة؟ وهكذا سؤال يتطلب ساسة ومسؤولين يضمنوا للعراقيين جميعا بلا استثناء، مبادئ العدل والمساواة، و يدركون أنّ الحكم لايعني، استعراض العضلات، وممارسة لعبة الشحن الطائفي.
كنا نسمع حكايات التقسيم في يوغسلافيا وإندنوسيا والسودان، واعتقدنا ان هذا الزلزال بعيد عنا، وها نحن اليوم نتوهم ان الذي يريد ان يقسمنا هم الأميركان، فيما الواقع يؤكد اننا وحدنا دعاة التقسيم والفُرقة والتناحر المذهبي، قبل اكثر من تسعين عاما اصر المستعمر ونستون تشرشل على توحيد العراق، وها هم ساسة " الصدفة لايملكون سوى شعار واحد:: فليسقط العراق وتحيا طوائفنا!
مهرجون في سيرك التقسيم
[post-views]
نشر في: 29 إبريل, 2015: 09:01 م