TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العودة الى خام الشام

العودة الى خام الشام

نشر في: 3 مايو, 2015: 09:01 م

الجيل القديم من العراقيين، يتذكر نوعا من القماش يدعى خام الشام، ارتبط استخدامه باندلاع الحروب، وبروز ازمات اقتصادية، تتعلق بقلة الموارد المالية، وعجز الدولة عن توفير المستلزمات الاساسية من الخام والطعام قبل عشرات السنين، فكانت الحكومات وقتذاك، تلجأ الى اعتماد جملة اجراءات لضمان الامن الغذائي، من ابرزها سياسة التقشف الحكومي والشعبي، بحيث تشمل الجميع بلا استثناء من كبار المسؤولين الى بقية عباد الله الاخرين القابعين تحت خط الفقر، كل فرد مهما كان منصبه وموقعه يحصل على حصته من المواد الغذائية، وقماش خام الشام ليفصل ملابس داخلية لكلا الجنسين، وانطلاقا من الشعور الوطني لدى الاوساط الشعبية، وللتعبير عن تضامنها مع محنة الحكومة المتمثلة بقلة مواردها المالية، كان العراقيون يجرون تحسينات على خام الشام بصبغه بالوان مختلفة ليكون ملائما لتفصيله دشاديش للنساء تلائم جميع الاعمار.
بتعاون الشعب مع الحكومة اندحرت الازمات، اقتصر استخدام خام الشام علامة الجمل على الملابس التحتية، لانه اثبت كفاءة عالية، اشادت بها الاجيال، فوضعت ثقتها بهذا النوع من الخام فتفوق على الانواع الاخرى بالتجربة والبرهان فضلا عن عمره الطويل، وتعدد استخداماته فهو يمكن ان يتحول الى بيجاما للنوم، ويسهل لصاحبه ممارسة اي عمل، خصوصا اذا كانت "التجة" غليظة قوية، تمنع حدوث مفاجآت محتملة قد تؤدي الى مواقف محرجة.
من فوائد خام الشام انه الغى الفوارق الطبقية، ووحد المشاعر الشعبية الوطنية تجاه الازمات، ومنح للحكومة ثقة شرائح اجتماعية واسعة، خصوصا ان اجراءاتها كانت عادلة وتشمل الجميع ولم تستخدم الكيل بمكيالين لتطبيق التقشف، الوزير والسفير والمدير العام والعامل والفلاح والكاسب والعاطل عن العمل ارتدوا خام الشام، فكانت وقفتهم مع حكومتهم صادقة وحقيقية، لانها اي الحكومة لم تمنح امتيازات لاحد طبقا للموقع والمنصب وزعامة الحزب السياسي تعاملت مع الجميع وكأنهم اسنان المشط، فساوت بين الاصلع وصاحب الشعر الكثيف، انطلاقا من حرصها على شعبها ورغبتها في تجاوز الازمة باقل الخسائر.
العودة الى استخدام خام الشام باتت تلوح بالافق في ظل تراجع اسعار النفط بالاسواق العالمية، الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط في الحصول على موارده المالية يعاني اليوم مشكلة تتطلب اعتماد اجراءات التقشف، لابد ان تبدأ اولا بتقليص الانفاق الحكومي، بمنع شراء الاثاث لمكاتب الوزراء ووكلائهم والمديرين العامين، وخصم خمسين بالمئة من رواتبهم، على ان يشمل ذلك المسؤولين السابقين والحاليين، لانهم خلال السنوات الماضية عاشوا في بحبوحة وشيدوا منازلهم في الاحياء الراقية، واشتروا احدث السيارات، واجروا عمليات تجميل و شفط شحوم للزوجات، ومنهم من ارتبط باكثر من زوجة على سنة الله ورسوله، وارصدتهم في الخارج، لاتعرفها هيئة النزاهة، هؤلاء وغيرهم سبب خواء ميزانية الدولة، واجبار العراقيين على ارتداء خام الشام، وشمر بخير لكنها بحاجة الخام والطعام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram