TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رسالة إلى صديق سابق

رسالة إلى صديق سابق

نشر في: 4 مايو, 2015: 09:01 م

لا داعي للتبرير، والذرائع مهما انطوت عليه من مسوغات واضطرارت، جديرة بالتفهم، من قبلي، على الأقل، قد تخفف من غلواء النقد الصريح، الجارح، لكنها لا تلغيه، فالكتابة قوامها النقد.
سمعت، قبل أيام، ما قلته بشأن صورتنا، نعم صورتنا، وما تختزنه من ألم يستعصي على الوصف، لكنك، للأسف – يا صديقي العزيز – لم تشر إلى أسباب ألمك، فقد كان حذقك في تصويره، الماهر/ الماكر، يعوزك عند لحظة الحقيقة وأنت تتحاشى ذكر الأسماء والمسميات، ومن ناحيتي أدركت لماذا تكتفي بالتوجع ولم تسمِّ أي شيء باسمه.
لقد مرت علينا دهور، بعمر النسور، ونحن نلوذ ببعضنا البعض نبحث عن زاوية مظلمة نتبادل فيها كراهيتنا للسلطة القائمة، أو للدولة الفاشلة برمتها، يربت أحدنا كتف الآخر ويهدئ من مرارته إلى الحد الذي يستبطن التواطؤ.
ثمة معركة، خضناها، كلنا، مقتنعين بأن خوضها ، كما خضنا، خطوة أولى نحو تحويل المستنقع إلى ينبوع صافٍ يسقي جدب الوطن ويحوله إلى جنة عادلة "من كل حسب قدرته لكل حسب حاجته".. المعركة بطرفيها: الجلاد والضحية، في بلد لا يمكن للسياسة فيه غير أن تكون بين جلاد وضحية، ببراءة مشهودة في تجربتنا المريرة، تجربة آلاف المناضلين مثلنا، التي أعتز بها رغم مرارتها، جزءاً من تكويني الشخصي وتربيتي الذاتية.
وإذ تبثني شكاتك وأبثك شكاتي نتوقف عند الحد الفاصل بين الحقيقة المرة واختها الحلوة.. أختها للترويح عن تعب التاريخ والتمتع بمذاق مريح ومستساغ، فمن يستمرئ المرارة، مرارة الحقيقة، يا صديقي؟
أعرف أنك من المولعين بنسبية الأشياء، مثل الكثيرين، فما أن أقول الحقيقة حتى تدحضني بحقيقة مضادة، فيكف الجدل عن محاولته بلوغ المنطقة الوسطى ليقف عند المفترق المعتم، حتى نعود إلى كلينا التقليدييْنِ: عراقييْنِ لم يألفا الحوار في الهواء الطلق.
ما أن نختلني، أحدنا بالآخر، حتى تتفجر شتى أنواع اليأس والغضب والأمل، وأنت، تحديداً، تختار أقصى يساريتك، بل راديكاليتك لتنسف، كما فعلت في العام الثالث والستين بعيد شباط البعثيين الشهير، كل ما في متناول يدك من ترسيمات السلطة الفاشية ورسومها ورموزها، بقنابلك المولوتوف، لتخرج محطماً ووحيدا ويائساً بعد سجن رقم واحد وسجن بغداد وسجن الحلة وسجن نقرة السلمان من دون أن تجد حتى غرفة صغيرة عارية الجدران تضع فيها جثتك الخائبة.
ما الذي جرى بعد سنوات الجنون تلك.. الجنون بأنواعه: جنون الجلاد وجنون الضحية والجنون الحالم والجنون الموقف؟
- العقل!
هل يعني العقل أن تبتر ذاكرتك وتنسى تاريخك وتنزع وجهك؟ ما القناع إذن؟
هل هو وجهك ذاك أم وجهك اليوم؟
أين نحولك الوسيم وعيناك الذكيتان وزهدك الغامر وملابسك الفقيرة وكتبك الكبيرة وأحلامك الكثيرة؟
أراك، اليوم، بكرشك المتدلي وبشرتك اللامعة وعطرك الفواح وربطة عنقك الثمينة على ياقتك البيضاء المنشاة التي كنت تحذرني منها، أنا تلميذك غير النجيب.
- العقل؟
هل يعني العقل أن تصبح الآن مع الجميع بعد أن كنت ضد الجميع ثوريا يلوّح للعدو والصديق بمطرقته ومنجله؟
كنت تحرضني على أن أنضم، معك، لنغير "من الداخل" فاقتنعت بمقترحك لكنك تركتني لتغير "من الخارج".. وأنت الذي تغيرت "من الداخل" و"من الخارج" وبقيت "الحال" كما هي بل إلى الأسوأ.
كيف استقمت واتسقت وساومت وغلّست و"دوّرت" كل الزوايا الحادة حتى بدت لك الدائرة أكثر الأشكال الهندسية واقعية ونفعاً.
من منا الناجح؟
أنت بما حققت من سلطة ونفوذ وجاه ومال أم أنا الذي لا يملك غير الكلمات أفكاراً لأن قوام الكتابة هو النقد؟
أم أن الأمور بنسبيتها كما صرت تكرر؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram