عملا معا كصبيين لدى تاجر كبير اشتهر بنزاهته.. كان يصف التجارة لهما قائلا : " تقوم التجارة على اربعة حروف.. فالتاء تقوى والجيم جرأة والألف أمانة والراء ربح"...
بعد سنوات، افترق الشابان ثم التقيا بعد سنوات ايضا مصادفة، كان الأول قد غدا الساعد الأيمن لدى التاجر والمشرف على تجارته والسائر على نهجه، اما الثاني فقد تحول الى تاجر ايضا من النوع الجديد الذي يلعب بالبيضة والحجر بعد ان اغمض عينيه عما تعلمه من التاجر الكبير واستخدم (فهلوة) الزمن الحالي فصارت الغاية لديه تبرر الوسيلة وبات يتاجر بكل شيء حتى أعراض وأرواح البشر لبلوغ المستوى الذي كان يحلم به من الثراء.. لم يسعده التعامل مع رفيقه القديم لأنه يذكره ربما بالأشياء الجميلة التي كانت تسكن روحه قبل ان يتحول الى (دراكيولا) لاتهمه دماء الفريسة التي يمتصها بقدر ماتغريه الفائدة التي تعود عليه من وراء ذلك... ولكي يبرر لرفيقه اسباب سلوك الدروب الملتوية ومصافحة الأيادي الملوثة قال له ان التاجر الكبير كان واهما فقد علمته الحياة ان التجارة لها معنى آخر: "فالتاء في رأيه تعب، والجيم جوع، والألف ألم، والراء رعب" واذا اجتمعت كل هذه المفردات لدى المرء يمكن له ان يتحول الى وحش كاسر وليس الى مجرد تاجر!
في زمننا الحالي، صار يمكن ان نقابل يوميا وحوشا كاسرة نفضت عنها غبار المبادئ والقيم العتيقة وتسلحت بمفاهيم واسلحة جديدة أولها المصلحة الشخصية وتليها الانانية والقسوة يضاف اليها جرعة من الجهل وجرعات من التجاهل وحين تواجه من يذكرها بما فقدته خلال مشوار حياتها من أشياء جميلة تتذرع بالتعب والجوع والألم والرعب.. تلك المفردات التي أطرت حياتنا لسنوات طويلة ومازالت تحاصرنا وتحصد ضحاياها باستمرار... نحن نعيش معها اختبارا ازليا، لصبرنا وقوتنا وحرصنا على الحفاظ على مبادئنا وقيمنا حتى لو غطاها غبار الزمن واصبحت سلعة عتيقة لاتليق بالتجار الجدد...
واذا كان التجار الجدد يضعون مبادئهم على الرفوف ليبيعوا للناس بضائع فاسدة فالسياسيون الجدد يبيعون كلاما ووعودا كاذبة ويتاجرون بمصائر الشعب ومستقبل الأجيال القادمة.... فهم يرتدون وجوها جميلة وقلوبا كبيرة قبل الانتخابات، وتظهر وجوههم المشوهة بعد الانتخابات وتستعد جيوبهم الكبيرة لاستيعاب ماتطاله ايديهم من خزينة الدولة قبل ان تبعثرهم رياح الانتخابات القادمة.. وبعد ان كشفت مصادر مصرفية عربية ان اغنى اغنياء العراق هم من السياسيين الجدد الذين يتاجرون بالدم العراقي يبدو ان التجارة باتت تحمل معنى جديدا مؤخرا فالتاء فيها تهميش والجيم جشع والألف استغلال والراء رياء.. والمشكلة ان تذكير هؤلاء بالأشياء الجميلة لايحدث فرقا لديهم فهم لايبحثون عن ذرائع أو اعذار للشعب... ولايهمهم مستهلك البضاعة بل ثمنها فقط...
أبناء دراكيولا
[post-views]
نشر في: 4 مايو, 2015: 09:01 م