تحدى ديفيد كاميرون، التوقعات واتهامه ببرودة الأعصاب، محققا فوزا مذهلا في الانتخابات التشريعية البريطانية، رغم أن عددا من المحللين يتوقعون أياما صعبة امامه لا سيما خطر القنبلة الموقوتة التي أشعل فتيلها بنفسه، أي خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. فقبل ان
تحدى ديفيد كاميرون، التوقعات واتهامه ببرودة الأعصاب، محققا فوزا مذهلا في الانتخابات التشريعية البريطانية، رغم أن عددا من المحللين يتوقعون أياما صعبة امامه لا سيما خطر القنبلة الموقوتة التي أشعل فتيلها بنفسه، أي خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. فقبل انتهاء فرز الأصوات، وعد رئيس الوزراء المنتهية ولايته، إثر تأكده من تشكيل حكومة جديدة بلا مشاركة أحزاب أخرى، "بمستقبل أفضل للجميع"، منتقدا الاستطلاعات التي أجمعت منذ ستة أشهر على هزيمته.
وفي خطاب الفوز امس الجمعة، استعاد رئيس الوزراء الأصغر سنا منذ عقدين نبرة "الليبرالي المحافظ"، حسب تعريفه لشخصيته.وطعم خطابه بعبارات على غرار "الوظائف"، و"التدريب"، و"السكن"، و"الكرامة"، و"مدارس جيدة الأداء"، وغيرها من الهموم الاجتماعية.لكن الأهم هو وعده بتنظيم استفتاء حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي خلال عامين، "المسالة التي مزقت الحزب المحافظ في العقود الأخيرة" بحسب ترافرس. كما سيتعين عليه لجم اندفاعة الإسكتلنديين نحو الاستقلال.
قبل عشرة أيام على موعد الاستحقاق، سجل أنصار رئيس الوزراء ومعارضوه بذهول التبدل المفاجئ في خطابه، وحتى "تعبيره الجسدي".هنا انتهى الخطاب الرصين، واتخذ نبرة جديدة هجومية مستندا إلى شعار "إما أنا أو الفوضى"، مرفقا بقبضات مرفوعة وحنك متشنج، فيما تخللته أحيانا عبارات لم يكن يمكن تخيلها بالأمس. والمثال الأوضح هو عندما انتقد بلغة خالية من الدبلوماسية برنامج حزب العمال المعارض.
في مقابلة مع مجلة «ذا إيكونوميست»، تحدث كاميرون عن سوء فهم قائلا: "يخال لي أحيانا أن البعض يعتبرونني بارد الأعصاب أكثر مما يجب. لكنني لا أوافق على ذلك، هذا ليس ما أنا عليه".
أثناء الحملة الانتخابية، ارتكب كاميرون ثلاث "هفوات" اعتبرت إثباتا على ابتعاده عن أعماق البلاد. فقد تناول الهوت دوج بالشوكة والسكين، وأخطأ في اسم ناد لكرة القدم يفترض أنه يؤيده، كما زل لسانه قائلا إن "هذه الانتخابات محورية لمسيرتي.. عفوا.. للبلاد".
في مطلع ولايته، اعتبرت قدرته على تفويض غيره بمهام والترويح عن نفسه بلعب كرة المضرب وتمضية نهاية الأسبوع "مسترخيا" مع زوجته سامنثا وأولادهما الثلاثة، دليل توازن.
لكن مؤيديه انزعجوا حيال لامبالاته عندما استبعد ولاية ثالثة في حال إعادة انتخابه الان، حيث تحدث في مقابلة مع «بي بي سي» فيما كان يقشر الجزر في مطبخه. والأسوأ هو أنه ذكر أسماء ثلاث شخصيات توقع أن تخلفه، بينها رئيس بلدية لندن المثير للجدل بوريس جونسون.
كما انتقده متمردو معسكره على خروجه أكثر ضعفا من انتخابات 2010، حيث أجبر بسبب عدم إحراز أكثرية مطلقة على ارتجال تحالف غير مسبوق مع الليبراليين - الديمقراطيين، لم يناسب الجناح اليميني الرافض لأوروبا في حزبه.
ويعرف كاميرون بمرونته أيديولوجيا، فهو الذي شبه نفسه برئيس الوزراء السابق توني بلير الذي اعتمد شعار «الاقتصاد ليس يمينا ولا يسارا»، عندما تولى رئاسة الحزب في 2005 في الـ39 من عمره، بعد 4 سنوات على انتخابه نائبا عن ويتني في مقاطعة أوكسفوردشير الريفية.
وطرح نفسه في تلك الفترة بصورة مصلح يسعى إلى تبديل صورة حزبه الموروثة عن حقبة "المرأة الحديدية" مارجريت تاتشر، مؤيدا العودة إلى الوسط وإلى "تيار محافظ تعاطفي"، ومصمما على منح أولوية لقطاعات الصحة والتعليم والبيئة وحتى "مشاطرة ثمار النمو".
وهذا الخطاب يشكل ابتعادا عن خلفية ديفيد وليام دونالد كاميرون، الذي يمثل الطبقة الراقية. فوالده ثري يعمل في تصريف العملات ووالدته قاضية، ويتحدر من سلالة الملك جيوم الرابع ومتزوج من ابنة بارون، وتلقى التعليم في مدرسة إيتون وجامعة أوكسفورد، منشأ النخبة البريطانية.
مع نهاية ولايته الأولى، نجح كاميرون في مضاعفة النمو والوظائف، وأثبت مهارته بالنجاح المتفاوت عاما بعد عام في إبقاء التحالف الحاكم في البلاد، الأول منذ 65 عاما. كما تمكن من فرض إقرار زواج المثليين رغم معارضه معسكره.لكن معارضيه يتهمون سياساته بأنها في خدمة الأثرياء أكثر من أي وقت مضى، وأدت إلى مضاعفة الفروقات الاقتصادية، وإضعاف جهاز الصحة العامة تحت غطاء سياسة التقشف.