جيمس م. ردفيلد
James M. Redfield
هذا ينجز الوجه الاول من القصة، وبمصطلحات ارسطو حققنا حدثاً a paraxis. وهنا تأخذنا الكاتبة الى داخل عقل بطلها وترينا الحدث كما خبره البطل (وهو هنا القطة). الآنسة موبي ارتكبت خطأ مما يسميه ارسطو harmatia
جيمس م. ردفيلد
James M. Redfield
هذا ينجز الوجه الاول من القصة، وبمصطلحات ارسطو حققنا حدثاً a paraxis. وهنا تأخذنا الكاتبة الى داخل عقل بطلها وترينا الحدث كما خبره البطل (وهو هنا القطة). الآنسة موبي ارتكبت خطأ مما يسميه ارسطو harmatia ، وعليها ان تتلقى النتائج، الاخطاء اخطاء لان لها نتائج تجعلنا نراها أخطاءً. نتوقف دقيقة، نقوّم ما رأيناه عن بعد. ايمكن ان تتوقف القصة هنا؟ ربما.
بعد لحظة، ونحن نمر على ما حدث، سنعلم ان شخصية الآنسة موبي قد تطورت.
الفأر يراقب الانسة موبي من فوق الدولاب.
شيء يحدث ولكننا لا نعرف ما هو. الكاتبة بوتر تبدأ الآن باللعب بنا كما تلعب القطة بالفأر.
الانسة موبي تشد رأسها بقماشة المنفضة وتجلس قبالة النار.
لماذا تفعل ذلك؟ قبل لحظة عرفنا ما كان في عقلها (فكرت ان الدولاب صلب جداً.) ونحن الآن نقف مع الفأر وترى فقط ما هو يراه.
الفأر يرى انها مريضة جداً
فينزلق من ساحبة الجرس
ان هذا كالذي سبق وان كان اشد. في السرد كله هنالك ما يسمى عنصر "الكم quantity" مشهد واحد من الالياذه، مثلاً، غير كاف. الاهداف مطلوبة وعلى اوديسيوس ان يقوم بعدة مغامرات لا واحدة فقط، اذا انتهت القصة في لحظة فلن تصل الى غرضها. علينا ان نعيشها بخيالنا. هذا يعني ان علينا ان نجهد لاختراق فضائها باحثين عن الموقف الثاني لا ان تبقينا القصة في الموقف الاول. هنا نشعر بان القصة موقف، انها حال نحن انفسنا نعيش فيه. يسمى ارسطو هذا العنصر كِبَراً. احد انماط هذا الكبر هو الشك. الآنسة بوتر تصعد النار درجة اعلى .
الانسة موبي تمسك رأسها البائس بمخالبها
وتنظر اليه من خلال ثقب في قماشة المنفضة
الفأر يقترب جداً
لكننا نرى ذلك الثقب في قماشة المنفضة، فهل الفأر يراه؟ نحن اذكى منه وبدأنا نخشى عليه. لايبدو ان احداً اهتم بالامر. من يظن ان رأس الآنسة موبي بائس؟ الكاتبة الانسة بوتر؟ الفأر ؟ هنالك غموض في المشهد. لم نعد ننظر مع الفأر ولكننا ننظر إليه.
ولأنا افتقدنا القناعة بقدرة الفأر على رؤية الثقب، افتقدنا القناعة في مقدرتنا على الحكم على الوضع كله. هو لا يرى ان الآنسة موبي تتظاهر بانها أوذيت ! فجأة بدت القطة كبيرة جداً والفأر صغيراً جداًّ!
وفجأة تقفز الآنسة موبي على الفأر
هذا يوصلنا الى الوجه الثاني من السرد، او الى وسطه، الفعل ادى الى رد فعل. تحركت عجلة الحظ. الحظ وقف الآن على قدمه الأخرى. امام موبي الكثير غير الالتقاء بعين الفأر. ارادت الاستفادة من خطئها الاول، فوسعتها بان كررت الدور كما يقول الممثلون. مالم يتحقق بالقوة، يتحقق بالمكر. في الصورة الاولى، الفأر هو الذي دحر القطة. لكن القطة بدت مندحرة اكثر مما هي مندحرة فعلاً. هي تلعب على كبرياء الفأر وتغريه بلا اهتمام. وسيلة كهذه يمكن ان تصنع النصر وتحقق الغرض يقرره الاستمرار بين الحالين الاولين. الاستمرار يساعد على جعل القصة "محتملة" فنحن نصدق خطأ الفأر لأنا خبرنا معه الاحداث التي ابرزت الخطأ.
فهل يمكن ان تنتهي القصة هنا؟ أفترض مكان انتهائها هنا باضافة جملة اخرى، "وهيأ الفأر للآنسة بوتي غذاء لذيذاً" لكن ليس في حيثيات الحبكة ما يجعل كذا نهاية ممكنة. مع ذلك يمكن ان نوافق على كذا ابتعاد عن الموضوع، لكن ستكون القصة بذلك بعيدة الاحتمال. تفقد الاحتمالية ممهدات القصة ، تحتوي على حقائق اكثر من تلك التي في خلفياتها. وما تعرضه القصة كلها واسلوبها انما هو تمهيد للقادم. نتوقع من القصة ان تستمر ضمن ذلك النوع من القصة. واذا حدث تغيير، ان تتلاءم والتغيير. ليس لارسطو الكثير ليقوله في ذلك. الرأي الذي يقدمه كتاب الشعر، نجده فقط في نقاشه للنوع genre والاختلاف بين المأساة والملهاة. هو يراهما مختلفتين جوهرياً، ونحن نعرف منذ شكسبير انهما يمكن ان تمتزجا بشكل جيد.
نعرف ايضاً الكوميديا (الملهاة)، لا يمكنها ان تتحول خلال سيرها إلا اذا كان ذلك التحول هو هدف القصة اصلاً. حين نتكلم عن التراجيديا والكوميديا- او مثل بولونيوس- عن الكوميدي، التراجيدي، التاريخي، الرعدي فكأننا نتحدث عن الانواع لكن هذه للابانة حسب. بمعنى آخر، كل عمل سردي هو Sui generic هو عمل مزيد، كل عمل يبتدع نوعه وهو يظهر لنا أي نوع من القصة هذه وهي تجري. حين نفكر، اية نهاية محتملة لقصة الانسة موبي؟ علينا ان نسأل أي نوع من القصص تروى.
احدى الميزات الاسلوبية، الواضحة هنا: ان هناك العديد من الضمائر. وتقنياً ان النصر يشير الى الفأر... هذه "الانسة موبي تقفز". كما ان جميع الافعال بصيغة المضارع. فنحن لا نروي قصة عما حدث مرة، نحن نعرض سلسلة من الصور مع الشرح، وهذا يستدعي جمهوراً معيناً. وهناك مسألة ان القارئ افتُرِض طفلاً غير قادر بعد على القراءة، يجلس في حضن احد والديه وهما يشرحان له الصور. وتُفْتَرض القصة مقنعة (محتملة بمعنى اوسع)، فيجب ان تتضمن حضور الجمهور الذي هيأناه. حضن الوالدين هو آمن مكان في العالم. لكنه ايضاً المكان الذي يلعبان فيه معاً فيهدداننا بمخاطر وهمية، رُكَبُ الوالدين تتحول الى خيول تخب او الى ارض يصيبها زلزال، فيما يبدآن بالقائنا والتقافنا ونحن نتصارخ بفرح. هذا التصور يقلب قصة الانسة موبي الى ان تكون قصة عن هذا التصور نفسه ولكن بفهم آخر، عن علاقة بين قطة وفأر وهذا الفهم المختلف استوجب اعادة التقديم:
ولأن الفأر ضايق الانسة موبي بالسخرية منها
تفكر الآنسة موبي بان تسخر منه
ولم يكن ذلك لطيفا من موبي
تبدأ الكاتبة بوتر الآن بالوجه الثالث من قصتها وهو حافل بإتلاف التألق في الاقل، هو تحطيم تحدثه بآلة اسلوبية رقيقة تلعب بها. هي تقدم تعليقاً على ما جرى فتجعلنا في شك ان كان سلوك موبي خطأ. الآنسة موبي يقودها قانون عين بعين وسخرية بسخرية. ولكن احد قوانين الاسد والثور هو الاضطهاد. شيء للفأر يسخر وشيء آخر للقطة لتسخر من الفأر والتكافؤ الظاهري للوجهين الاولين من القصة يبدو مضللاً. الملامح الثانوية للشخصيتين تبقى ثانوية وعلاقتهما الابتدائية تصعد للسطح. حين يكسب الفأرُ تصدم القطةُ رأسَها ولكن حين تكسب القطةُ، الفأر؟ حسناً، مصير الفأر مايزال موضع شك.
لفته بقماشة المنفضة
وراحت تطوّحه مثل كرة
ابتهاج الآنسة موبي صوّر حالة من الرعب، الفأر في رعبه. واذا كانت موبي تنظر من خلال ثقب المنفضة، فالفأر الآن ينظر الى الانسة موبي من خلال الثقب نفسه، استمرار القصة اخذ تحولاً درامياً للمرة الثانية وبهذا بدت النتيجة محتملة في هذه المرحلة، نحن نركز على الثقب في المنفضة، ان له وظيفة اخرى في السرد.
ولكنها نسيت الثقب في المنفضة
وحين فكتها، لم يكن هناك فأر!
نقطة التعجب هذه تؤشر الى تضارب العناصر في السرد فلم يعد بعد كل هذا امل في حظ. "الالهة عادلون" كما يقول شكسبير "ووسائلنا المبهجة تتحول آلات لموتنا". عوقبت الآنسة موبي على فرحها بان فقدت ثمار هذا النصر. هذا النوع الخاص من "الاحتمالية" يدعى "العدالة الشعرية Poetic jutice" . فنحن لم ننسَ الثقب ولكنها نسيته، نحن نقف بعيداً عنها ونحكم. للحظة تبدو هذه وكأنها قسوة تأخذ طريقها في العالم. لكنها فكرت من بعد، ان كل شيء، وبعد كل ما جرى، على ما يرام
وها هو متمعجّاً يجري،
وهو الآن يرقص "الجيغ" فوق الدولاب. نهاية القصة كبدايتها بمعنى آخر لم يحدث شيء. او ان كل ما حدث لم يؤدّ الى شيء، وان حدثت اشياء كثيرة!
القصل بين القطة والفأر والذي كان موضع تردد في البداية، صار حاسماً. فقد تعلمت القطة ان الفأر صعب اصطياده او السيطرة عليه. والفأر تعلم ان حتى القطيطة خطرة. سيكونان اكثر قلقاً في المستقبل واكثر حذراً احدهما من الآخر. هذه قصة عن شخصيتين، وقد اتضحت العلاقة بينهما الآن وإذ تصل العلاقة الى الوضوح فهي تأتي الى ما يسميه ارسطو Kartharsis أي تطهير العواطف.
قصة الانسة موبي هي قصة عن السخرية من الآخر ومضايقته، هي قصة عن الشجاعة الخطرة والضعف وعن الضعف والرغبة في ارضاء النفس بالثأر من القوي. السخرية من الاخر امر سيئ في احسن احواله وخطر قاس في اسوأ هذه الاحوال. مع ذلك، فالقصة تسخر منا ايضا وتهددنا بالاخفاق والندم، ثم ، وفي اللحظة الاخيرة ، تتركنا في سبيلنا. لكنها بالسخرية منا في هذه الطريقة تمنحنا بهجة. بالنسبة للقصة، السخرية من الجمهور امر جيد ومعنى القصة يقع في حركة التداخل بين هذين المعنيين للسخرية .
السخرية نوع من الحب وهي ايضا نوع من الكراهية. الطفل في علاقاته بالاخرين، وبخاصة افراد عائلته، يرتد من ويتقدم الى هذين الحالين بسرعة مفاجئة. خلال السخرية يتعلم الطفل السيطرة على المشاعر العدائية ليحولها الى لعبةـ جاعلاً منها لهواً لكنه دائماً يتجاوز الحد. واذ يتعلم التعبير عن مشاعر سلبية، يتعلم ايضاً كيف يخشى من هذه المشاعر.
إذن هي قصة ممتعة لكل طفل. وما دمنا لم ننفصل عن الاطفال الذين كناهم يوماً، فالقصة ممتعة لنا جميعاً. القصة باحتمالياتها الداخلية تحقق حبكة متقنة. تلك أذن قصة مصنوعة بشكل جيد، لكن هذا ليس كافياً لخلق عمل فني. فالقصة التي تمتعنا يجب ان تكون عن اشياء تريحنا – بمعنى آخر يجب ان تكون عنا وهذا هو ما قصده ارسطو – من كلامه عن "الأسى والخوف" لقد كان يتكلم عن التراجيديا. ولكنا بتوسيع المعنى اكثر نستطيع القول ان القصة تثير انتباهنا فقط حين تثير فينا مشاعر تجاه اشياء نحن لنا مشاكل معها والقصة ستساعدنا بهذه المشاعر خلال حبكة موحدة. هنالك مسألة اخرى هي ان الكاتبة الآنسة "بوتر" تسخر منا ايضاً وهي تقص علينا هذه القصة فتجعلنا نشارك في تهور الفأر وفي قوة القطة وتجعلنا نخاف كلا هذين الشيئين في انفسنا، وفي الوقت نفسه تأخذنا وترينا عالماً ربما يكون افضل مما نستحق في هذا العالم، لا نحتاج فيه لان نعاني كثيراً من اخطائنا وفي الوقت نفسه هي لا تنقل الى الخارج اهتمامتنا السيئة هي تظهر لنا ضعفنا وفي الوقت نفسه تظهره قبالة عالم مُنَظّم بقوة، لذلك فهو عالم ممكن العيش فيه. هي تعدنا بالنضج، فما دمنا نتعلم ان نتبنى العالم سنجد انفسنا ناساً افضل، نجد العالم مريحاً بل وتزداد الراحة فيه. هي تؤدي دور الوالد الطيب او الوالدة. وفي الكمال الشكلي، لغتها تقدم مثالاً للنضج الطيب الذي تدعونا اليه. هي تقص علينا قصة تحسن التحكم فيها ودائماً تحت سيطرتها. فهي لذلك شاعرة مثلما هي مربية، هي تنأى بنفسها عن ان تكون نمطاً من الفضيلة تدعونا اليها. هي فقط ترينا ان السخرية نوع من الحب حين تكون نوعاً من التعليم. الشاعر فيها يلعب بنا، ويأخذنا الى تجربة غير حقيقية، يعلمنا ماذا يعني العيش في عالم حقيقي.
Chicago Review
Vol., 34 No. 4