لم أعر أدنى انتباهٍ لما قاله سائق التاكسي، ذات يوم، وهو يوصلني لبيتي. حين شاهد امرأة جميلة واقفة، هي بكامل أناقتها وزينتها، لعلها كانت بانتظار أحدٍ ما، او هكذا بدت لنا ساعتئذ. كان الرجل من عامة الناس، وانسحب عليه ما تتصوره العامة عن المرأة اليوم، بعد موجة التشدد التي طالت حياتنا جميعاً، فهي المغضوب عليها دائماً، عبر التاريخ، ومن خلال المدونات الدينية والقبلية ومن ثم من خلال جملة القوانين (العصرية، المدنية).
أسوق هذه، ولي عبر موقع التواصل، الفيسبوك صديقة مشتركة اسمها سوسن السوداني، عراقية تقيم في استراليا، كثيراً ما تثير الجدل في آرائها، وتختلف مع كثيرين في السياسة والدين والمجتمع. فهي متطرفة جداً أحيانا، أو تذهب إلى اقصى الشوط في فهم الحريات والحريات الشخصية، لكني كثيرا ما أجدها، وفي حوارات متقطعة على الخاص غير ذلك. فهي كاتبة قصة بامتياز، واعية لما تكتب، مثقفة ثقافة من عثر على نفسه في مجتمع حر منسجم، قارئة، تفكر بالحريات الشخصية بما يجب أن تكون عليه، أم كاملة الأمومة لطفلين جميلين، لا بل وحيّية إن لم أقل في منتهى الحياء حين نتكلم في المسكوت عنه كشخصين شرقيين.
لكن، أثارني ما قرأته في صفحة الزميل هادي الحسيني من خلاف وشتائم بينه وبين سوسن السوداني، فقد كان مجانبا لأصول الحوار الذي يتوجب على المثقف التمسك والتحلي به. يؤسفني ان أقول أنه كان شتّاماً، متعرضا للمرأة بما لا يتوجب على الرجل أو الإنسان العارف المدرك التعرض له. وهنا لا أريد الخوض في تفاصيل ما جرى بينهما، لكني اتوقف طويلا عند تعليقات الآخرين، الذين وجدوا في شتائم الحسيني مدخلا للإساءة المؤذية، التي كيلت لسوسن بأقذع وأبشع ما في اللغة من مفردات، والتي تكشفت عن مجتمع مأزوم، يأخذ من أفواه الآخرين ما ينسجم مع نفسيته المريضة ويسوقه على أنه من صميم وجوده بين الناس، في صورة بدوية قاصرة، تتجاوز حدود الفهم المعاصر لحاجات النفس والجسد.
ثقافتنا الدينية اليوم، هي غير ما جاءت به الكتب الأولى، فقد تجاوزت الدين نفسه إلى ما هو بدوي وجاهلي وتصدت للظواهر بما ليس في أبجديات الدين الأول، ومن يتصفح كتب السنن والأحاديث والتفاسير وحتى كتب الأنثروبولوجيا العربية والعراقية لا يجد فيها شيئا من التشدد هذا. لا يقع على الاحكام التي يصدرها العامة على المرأة والحريات الشخصية، نحن مجتمع غير محكوم بدين مثلما هو غير محكوم بتقاليد واعراف انسانية، نأتي بما في الصحراء والأهوار من نتانة وقذارات ونترك ما فيها من قيم وكرامة وانسانية ثم نلقي بها على من نختلف معهم.
الاسف كله أننا نترك اللصوص والقتلة والسفلة وتجار الدم العراقي والذين اودوا بنا الى المهالك، وننشغل بما هو ذاتي وشخصي. أعرف سوسن السوداني- ولست بموقع المدافع عنها هنا، فهي قادرة على ذلك-. لكني اعرف موقفها مما يجري في العراق على يد القاعدة وداعش والمليشيات، مثلما أعرف تهجمها على شخصيات ورموز دينية وسياسية مقدسة في نظر البعض، وهي بذلك مدركة لما نحن فيه من مواجع وآلام بسبب من سياسة خاطئة يشترك في اخطائها الغالبية من هؤلاء.
لا احب الخوض في المحظور من الآراء والتصورات ذلك لأنني محكوم بجغرافيا وجودي هنا، ولو كنت في مكان غير الذي انا فيه لحررت رأيا آخرَ، ولو كان هادي الحسيني وسوسن السوداني يسكنان العراق لما تجرأ أحدهما على قول شيءٍ مما اختلفا عليه. فالنظام القبلي سيحدد اقول كل منهما. لذا اجد أن العدول عن السباب والمشاتمة إلى سماع الرأي والقبول به على أنه شيء خاص بصاحبه، مهما كان، افضل لنا جميعاً، ولنكن واقعيين محكومين بالجغرافيا، لا نهاتر ضد بعضنا عن بعد، يكفينا ما نحن فيه من مصائب.
في ما جرى بين هادي الحسيني وسوسن
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...