على بُعد بضعة أمتار من موقع برجي مركز التجارة العالمي المنهارين في 2001 في مدينة نيويورك، يقوم المبنى الأكثر ارتفاعاً في الولايات المتحدة .. انه "برج الحرية" أو "مركز التجارة العالمي 1" الذي يبلغ طوله 1776 قدماً (541 متراً). وهذا القياس بالأقدام يرمز إلى العام الميلادي الذي أعلنت فيه 13 مستعمرة على الساحل الغربي للمحيط الأطلسي انها ولايات حرة لتشكّل نواة دولة الولايات المتحدة الأميركية.
هذا البناء المدهش في هندسته وفخامته المختفي نصفه الأعلى خلف السحاب في الأيام المغيمة، لم يكن وحده ردّ بلدية نيويورك وأهلها على العمل الإجرامي الشنيع الذي دمّر البرجين القديمين وأودى بحياة نحو ثلاثة آلاف إنسان من مختلف الجنسيات والقوميات والديانات، فمنطقة "غراوند زيرو" (الأرض صفر) أقيمت فيها الآن بركتان مربعتان يجري فيهما الماء بلا انقطاع كالشلال في المكانين اللذين كان يقوم عليهما البرجان، وأحيطت البركتان بدكتين من المرمر مربعتين أيضاً نُقِشت عليهما أسماء الضحايا من النساء والرجال والأطفال الذين كانوا في تلك الساعة المشؤومة من اليوم الحادي عشر من أيلول 2011 داخل المبنيين أو في منطقتهما، إضافة الى أسماء الضحايا الستة الذين سقطوا في تفجير إرهابي بسيارة مفخخة في المنطقة نفسها في 26 شباط 1993.
الى هذا المكان يحضر يومياً آلاف الناس من شتى المدن الأميركية وبلدان العالم، ليتذكّروا، وهم يقفون عند الدكتين المربعتين، الضحايا الأبرياء الذين اختطفت همجية التشدد الديني حياتهم، وليلعنوا كلّ من اختط لنفسه طريق الإرهاب. وفي المكان أقيم أيضاً متحف ومعرض يجسّدان بالصور ومتعلقات الضحايا وأجزاء من الحطام تلك التراجيديا الإنسانية التي سعت إليها مجموعة شريرة من دون مسوّغ أو مبرر.
باختصار فان المكان الذي أراد الإرهابيون من المتشددين الإسلاميين، جعله ساحة لواحدة من "صولاتهم" الهمجية، تحوّل إلى ما يشبه المعبد الذي يحجّ إليه الناس من مختلف القارات لتمجيد ذكرى الضحايا وللصلاة من أجل السلام والوئام والأمن، ولصبّ اللعنات على الإرهابيين من أي دين أو قومية كانوا. وسيظل "غراوند زيرو" شاهداً أبدياً على وحشية هؤلاء ومدرسة ناطقة بكراهية الإرهاب.
نحن أيضاً، الضحايا اليوميين للإرهاب، في حاجة إلى نصب تذكارية ومتاحف ومعارض لشهدائنا في كل مدننا وبلداتنا.. مؤسسة الشهداء وأمانة بغداد والبلديات في المدن الأخرى من واجبها السعي لإقامة هذه النصب والمتاحف والمعارض على غرار ما هو قائم في الطرف الجنوبي من حي مانهاتن النيويوركي .. عمل كهذا هو الأكثر فعالية، الآن وفي المستقبل، من قانون مكافحة الإرهاب في مكافحة الإرهاب، وهو عمل لا ينبغي التذرّع بضيق ذات اليد لصرف النظر عنه، فما يستحوذ عليه الفَسّدة في هذه البلديات من مال كاف وحده لبناء نصب ومتحف ومعرض لضحايا الإرهاب في كل مدينة من مدننا.