TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في صمت خوان رولفو

في صمت خوان رولفو

نشر في: 19 مايو, 2015: 09:01 م

1-3

لسنوات طوال صمت خوان رولفو، وكان يُظن أنه لم يكتب عملاً آخر بعد روايته الشهيرة "بيدرو بارامو"، على الأقل كان هذا هو الرأي السائد حتى تعرفنا على عنوانين جديدين يُضافان إلى إنجازاته الإبداعية. يعود الفضل في ذلك إلى أرملته وكاتبة سيرته، كلارا آباريسيو. الكتابان سبق وأن صدرا في إسبانيا. الأول يحمل عنوان "هواء التلال" ويحوي مجموعة كبيرة من رسائل كتبها الروائي المكسيكي الأسطورة عندما كان واقعاً في الحب. أما الكتاب الثاني فيحمل عنوان "دفاتر خوان رولفو" ويضم مدونات ورسوماً تخطيطية لم ينته منها الكاتب (180 صفحة). كما نقرأ في الكتاب قصصاً قصيرة ارتأى الكاتب عدم نشرها، بالإضافة إلى رسم تفصيلي لروايتيه، "بيدرو بارامو" و"لا كودييرا". وإذا صعب على زوجة صاحب بيدرو بارامو نشر القصص القصيرة هذه التي لم يشأ زوجها دفعها للمطبعة، كما صرحت، فإن نشر الرسائل التي كتبها زوجها العاشق هو أكثر صعوبة، وهذا ما جعلها تكتب في تقديمها: "كما يبدو، إن ما أقوم به هو أمر مرعب". ذلك لأنها تعتقد أن رولفو لن يوافق على نشر الرسائل، لأنه في حياته لم يفكر في ذلك أبداً؛ وكل تلك الملاحظات التي دونها في دفاتره أراد لها أن تبقى هناك في مكانها، لا يعرف بها أحد. لكنها تعود وتقول بأن الأمر مبرر، خاصة وأنها اتخذت قرارها بعد تفكير طويل: "فكرت بالأمر ملياً. فكلما تصفحت إحدى أوراق الدفاتر، كان هناك شيء ما يحدث في داخلي؛ لأن كل كلمة، وكل جملة، مشحونة بالحيوية والمشاعر، تجعلني أفكر بضرورة أن يشاركني الآخرون في هذه المشاعر التي تسببها قراءة هذه القصص الغنية بروحه، القصص التي تحوي بالتأكيد على مفاتيح جديدة لقراءة عمليه "بيدرو باراما" و"السهل يحترق".
ومن يقرأ الدفاتر لابد وأن يوافق أرملة الروائي ومنفذة وصيته على رأيها. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه بالتأكيد، هو: لماذا رفض الاب الروحي للواقعية السحرية الأميركية اللاتينية، خوان رولفو ذاته نشرها؟ بعض النقاد الإسبان يحاولون الإجابة على هذا السؤال، جميعهم يتفقون على أن الصفحات هذه "كلها تحافظ على أعلى المواصفات التي ميزت العملين الوحيدين المنشورين من قبل الكاتب أثناء حياته"، وهي تحوي على اللبّ الدرامي لهذه الملاحظات، ولأنها بالمحصلة تعالج الموضوع ذاته التي تدور عليه أعمال المؤلف: الموت، "الموت هو ربما الموضوع الأكثر ثباتاً الذي تتقاسمه هذه المقاطع المزدرية والمستبعدة من قبله". الموت موجود في قصة "كليوتيلدة"، حيث يقتل الزوج زوجته لأنه لم يستطع تحمل عدم إخلاصها له؛ الموت ايضاً في الحكاية التي تتضمنها قصة عنوانها "أبي"، والتي هي تنويعة لرواية "بيدرو بارامو". وتبدأ القصة بالمقطع التالي: "مات أبي في فجر مظلم، دون أية فخامة، في العتمة. كفنوه كما لو كان لا أحد ودفنوه تحت الأرض كما يفعل المرء مع جميع البشر". تبين "الدفاتر" ايضاً طريقة عمل رولفو، إذ نعرف أن العملية الإبداعية كانت شغله الشاغل، منغمساً فيها، وتصاحبه دائماً، "فجأة، في وسط الشارع، خطرت في بالي فكرة دونتها على أوراق خضر وزرق. وعندما وصلت إلى البيت بعد العمل نقلت الملاحظات على الدفتر".
كان خوان رولفو ظاهرة غريبة في أدب أميركا اللاتينية، رغم أنه نشر كتابين وحسب. فمن المعروف، أن بين تاريخ وفاته في 7 كانون الثاني 1986 وبين نشر روايته، "بيدرو بارامو"، مرت سنوات طوال، (31 سنة). وطوال العقود الثلاثة تلك لم يدفع خوان رولفو أي كتاب للمطبعة، ولو رواية قصيرة؛ بل لم ينشر أية قصة قصيرة. ما الذي حصل له في تلك الفترة، وماذا كان يفعل؟ هذا ما سنأتي عليه في عمود الأسبوع القادم.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram