ظلّ الكتاب والمفكرون يضربون أخماساً بأسداس وهم يحاولون وضع تصور للدولة العادلة، لم يوفق افلاطون في حل اللغز حتى وهو يخصص للموضوع كتابا بعنوان "الجمهورية" تاركا المهمة لتلميذه النجيب أرسطو الذي كتب مجلدا ضخما أطلق عليه "علم السياسة"، وعندما أصر أفلاطون على أن يعلم طلبته أن المدن لا يمكن أن تكون أفضل من حكامها، وقف أرسطو ليقول له: الحاكم الحق هو الذي يبني دولته على خصلتين، العقل والعدل، في مرات عديدة وأنا أسترجع ما قرأته أتذكر دوما ما كتبه جان جاك روسو في اعترافاته: "العدالة، ليست علاقة بين إنسان وإنسان، بل بين دولة ومواطنين، شرط ألا يحول الحاكم الأفراد إلى أعداء بمحض الصدفة". يعلمنا روسو في اعترافاته أن الظلم حين يصبح مألوفا فإنه يزرع الفوضى، ويُغيّب الرحمة، ويطرد العدالة، فالظلم مثل الوباء ينتشر بلا تمييز، يلتهم الجميع.
أرجو من المثقفين لا الساسة إعادة قراءة اعترافات روسو، ليكتشفوا كيف أن الحياة يمكن أن يصنعها كتاب واحد، حين كتب روسو كتابه عن التربية "إميل" أراد أن يقف بوجه سلطات اللاهوت الغيبي، لذلك تآلب عليه المستبدون في كل بلدان أوروبا.. فقرروا أن يقيموا له المحارق، ولاحقوا مؤلفه من عاصمة الى أخرى. فيكتب الى احد اصدقائه: "ما همني أن أصبح طريدا، فقد عشت مشردا طوال حياتي"، ويقال إن فيلسوف التنوير الألماني كانط عندما سمع بظهور كتاب روسو هذا، قرر أن يحصل على نسخة منه مهما كلفه الثمن وبعد أن انتهى من قراءته التفت إلى احد تلامذته قائلا "هذا كتاب سيشكل حدثا في تاريخ البشرية"، بعد سنوات يكتب روسو رسالة إلى كانط يقول له فيها "انظر إلى الإنسان يولد وهو حر.. ولا يدري أن هناك من يريد له أن يظل عبداً لحاجياته".
كلمات روسو التي أضاءت أوروبا منذ عشرات السنين رسمت خريطة طريق لبلدان قررت أن تتقدم، فيما نحن ومنذ عشرات السنين قررنا أن نتفرج ونعيش في سبات تقطعه بين الحين والآخر خطابات لقادة تأريخيين يرفعون شعار "أنا أو الفوضى". قادة ومسؤولون محملون بأطنان الذرائع وأكوام الخطب. وأعوام سبات في الجهل والتخلّف.
وأكرر وأتمنى عليكم، اقرأوا روسو ثانية، فستجدون كيف أن الرجل قبل ثلاثمئة عام حذرنا من سياسي يصر على أن يصبح بطلا استثنائيا، لا موظفا يُمنح راتباً من خزانة الدولة، بطل يجرد البلاد من كل مؤسساتها ويحول البرلمان إلى سيرك للتهريج تعرض فيه أحدث الخطب
وحدهم ساستنا يعتقدون انهم يصنعون التاريخ او يرسلون مواطنيهم الى خيام التشرد والقحط، ولا يختلف الوضع كثيراً بين نائب يصفق لانسحاب الجيش، وسياسي يصر على ان اهالي الانبار جميعهم خونة، او نائبة تريد ان تعين وزيرا للدفاع على مقاسها الخاص، مقاس يسمح باستباحة مؤسسات الدولة للاقارب والاحباب.
"اعترافات" سياسي عراقي
[post-views]
نشر في: 20 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 6
علي كريم
عزيزي ، الا ترى ان كلمة إطلاق مسطلح السياسي على هؤلاء فيه اغتصاب كبير لمعنى المصطلح. ما لهولاء والسياسه. عزيزي ، اما آن للقلة الباقية من المتنورين في هذا البلد ان يكتبو وصاياهم ويشترو أكفانهم ويخرجو للثورة على هذا الواقع المخزي. اما هذه وأما انتظار الفرج
بغداد
يا علي حسين الكاتب المبدع انت لمن توجه كلامك للمثقفون الذين اشترتهم مافيات الدولارات وقلبت عقولهم بالمقلوب واصبحوا هم والأميين الذين لا يقرأون سواسيا ؟!! غالبية رؤساء الصحف [ المثقفون ] على اساس انهم مثقفون وقرأوا تاريخ الملوك الظلمة منذ عهد الظلمات الى
محمد توفيق
نحن مجتمع مبتلى بالتاريخ ..(مقولة للدكتور نادر كاظم – سوسيولوجي بحريني ) هذا التاريخ الذي مازال يربط مبدأ العدالة بشكل تعسفي بالسماء، بينما رأى الفلاسفة الأقدمون أنها صناعة أرضية بحتة . وعندما أقول التاريخ اقصد تلك الحقبة التاريخية المحددة التي صنعت سما
سلام القريني
لايمكن ان اضيف اكثر من عبارة واحدة بحق هؤلاءمن ان ( لاحياة لمن تنادي ) لقد ان الاوان لاتخاذ خطوة جرئية لازالة العقبة التي تقف امام التقدم
د عادل على
ليس فقط بلاد الاغريق كان لهم ارسطوا وافلاطون وروسو -------نحن العراقيين كان عندنا صدام حسين الدى يقول المهم مو النصر بل روح النصر--وعزت أبو الثلج كانت فلسفته العن على هدا الشارب والفيلسوف الأكبر طه الجزراوى لم يجد اى سبب لاستعرابه وخاض مع عبدالوهاب ال
ابو سجاد
العجب انكم لاتزالون تصرون على ان هناك دولة في العراق وحكومة وبرلمان تشريعي يااستاذ هذا وهم هؤلاء مجموعة لصوص وقطاع طرق وخونة عليكم ان تخاطبوهم بحقيقتهم ولاتوهمون القارئ وتوهمون انفسكم