من التطورات المسرحية التي ظهرت اواخر الخمسينات من القرن الماضي وفي اميركا بالذات والتي نبعت من عدم الرضا بالحدود التقليدية المفروضة على الفنون بكل انظمتها القديمة والحديثة ما سمي (الواقعة Happining) تلك الظاهرة الجديدة في فنون العرض التي اقتبست الكثير من التقنيات السابقة التي استخدمت في مذاهب مثل السوريالية كالبؤر المتعددة والتزامن والتشظي والصدفة وعدم الاستمرارية والربط والعناصر المتداخلة والكولاج والنحت المتحرك وموسيقى الضجيج والرقص التعبيري والفيلم السينمائي وغيرها. وقد اخذت (الواقعة) الكثير من ملامح الحركات الطليعية للقرن العشرين وراح اصحابها يعيدون تشكيلها في عروض لا يكون الترابط المنطقي في موضوعاتها اساساً لها. ولذلك اتخذت اسماً آخر غير (المسرحية) او غير (الدراما).
كان الموسيقار (جون كيج) هو الذي فتح الباب للواقعة عام 1952 في عرض سماه (4 – 33 ً) يظهر فيه عازف على البيانو يعزف لمدة 4 دقائق و33 ثانية وقد سمع الجمهور خلال العزف انواعاً مختلفة من الاصوات.
وفي عام 1955 خطى (كيج) خطوته الثانية في عرض (الواقعة) عندما قدم في احدى كليات شمال كارولاينا استغرق ذلك العرض 45 دقيقة متضمناً رسوماً للرسام (بوب روشنبرغ) ورقصاً للراقص (ميرس كيننغهام) وافلاما سينمائية وعروض شرائح وفوتوغراف واذاعة واشعارا للشاعرين (جارلس اولسن و ام بي ديجارد) القياها وهما يصعدان سلماً.
واختتم العرض بمحاضرة القاها (كيج) نفسه. وتيسر لي عندما كنت ادرس في جامعة اوريغون في اميركا ان اشاهد عرضاً للواقعة قدم في احدى القاعات الكبيرة حيث اقيم عدد من المنصات او المسارح الصغيرة حول جدران القاعة وعلى كل منها يقدم عرض ينتمي الى فنون الاداء فهناك عرض للمصارعة الرومانية وهناك رقص شرقي تؤديه احد الفتيات من غير اتقان، وهناك مشاهد تمثيلية، وهناك عزف على آلات موسيقية وهناك رسام يرسم لوحات كاريكاتيرية وتؤدى تلك المقطوعات باستمرار ويمر المتفرج ليشاهدها الواحدة بعد الاخرى وقوفاً.
كان مقصد (كيج) من الواقعة تحريك وعي المتفرج لما يحيط به في هذا العالم اكثر من تقديم عمل فني. واعتبر ان المقصد الخاص للفنان يجب ان يتجاوز الموضوع طالما ان الحياة نفسها ليست مقصودة وكل شخص منا يقوم بتجربة حياتية خاصة فذلك من شأنه هو.
يمكن القول ان (الواقعة) قد خرجت من تيارات جديدة في فن الرسم وفن النحت لكل من الفنانين (الان كابراو) و(روبرت روشنبرغ) و(جيم واين) الذين رفضوا فن الرسم بالبعدين واردوا ان يضيفوا له بعداً ثالثاً وذلك باضافة عناصر اخرى الى اللوحة المرسومة مثل الصوت والحركة والنكهة وراح (روشنبرغ) يستخدم في لوحاته مواد ذات ابعاد ثلاثة مثل جهاز الراديو او جلد عنزة محشو . لقد اهتم (كابراو) بالبنية والفن البيئي وكان الدادائيون من قبله قد بشروا بذلك .وقد استخدم مصطلح (واقعة) كونه محايداً لا ينتمي الى فن معين ، وفي اواخر عام 1959 قدم واقعته المسماة (18 واقعة بستة اجزاء) في (غاليري روبين) في نيويورك حيث قام بتقسيم الغاليري الى ثلاثة اجزاء تفصل بينها جدران بلاستيكية ، وزينت الارضية والجدران باشكال مختلفة ووضع في كل منها عدد من الكراسي ومن يدخل المكان يتناول ورقة يحتوي على الارشادات حول الانتقال من غرفة الى اخرى وموقع جلوسه ويمر كل شخص على الاقل بجزءين من الاجزاء الثلاثة.
وتحدث عدد من الافعال في كل جزء في آن واحد ومن غير انتظام وبمرافقة الموسيقى المسجلة، فهناك صور منعكسة على الشاشة وهناك العاب اكروباتيكية وهناك رسام يرسم وفتاة تقشر البرتقال وتعصره وهكذا.
الواقعة غير لفظية وتتجاهل القصة والتشخيص ومنفذو الواقعة لا يتقمصون ادواراً ولا يتظاهرون كشخصيات بل ان يكونوا هم انفسهم يمارسون تجربة معينة.
وتنتمي المسرحية المسماة (اعزيزة) والتي قدمها الشاب (باسم الطيب) في منتدى المسرح وغرفه خلال شهر نيسان الفائت الى (الواقعة) اكثر من انتمائها الى (الدراما) وان حاول صانعها ان يربط الاحداث المتنوعة التي قدمها في غرف المنتدى ان يربطها برابط واحد هو احوال العراقيين ومعاناتهم في الايام الحاضرة.
الواقعة وما أدراك ما الواقعة
[post-views]
نشر في: 25 مايو, 2015: 06:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...