"كل صباح، من أجل أن اعجبك
استعيد شبابي
ولكن، هناك أيام.. أيام يا حبي
اخشى ألا استيقظ فيها
وأن اموت.. هكذا.. على حين غرة!!"
اتذكر دائما هذه القصيدة التي قالها الشاعر الفرنسي جاك بريفير منذ سنوات عديدة واتساءل.. اذا كان بريفير يخشى الموت على حين غرة في فرنسا ويحاول ان يبدأ من جديد يوميا ليعجب حبيبته، فكيف سيكون شعوره لو عاش في العراق؟.... سيودع حبيبته في كل مرة يخرج فيها من المنزل لأن من المتوقع ان يموت على حين غرة بانفجار او حادثة عنف او ربما بحادث سير حين يعبر الشارع وهو (صافن)، ولن يفكر يوما باستعادة شبابه من أجلها لأنه لن يشعربمرور الأيام بل بمرارتها ولن تهمه البداية الجديدة لا من أجل حبيبته ولا غيرها لأن كل ماسيفكر فيه هو سد معيشتها وتجنب الحاحها فيما لو قصر في واجبات المنزل والمعيشة..
في مناسبة عزاء جمعتني بعدد من الارامل وما أكثرهن هذه الأيام قالت اصغرهن سنا واحدثهن زواجا وترملا انها لاتريد اعتياد غياب زوجها لذا تبحث عن أي شي يذكرها به.. كم كانت بسيطة تلك الفتاة في تعبيرها لكنها وضعتنا أمام فلسفة جديدة ومؤلمة صار يؤمن بها العراقيون مؤخرا.. تقول هذه الفلسفة: "ماجدوى البدايات الجديدة ان كان كل مانناله من حظوظ الدنيا زائل لامحالة بقسوة.. وعلى حين غرة"....
أحد موظفي الدولة القدماء يؤمن بهذه الفلسفة ايضا فبعد ان كان يملك منزله الخاص في منطقة سكنية راقية، خرج منه (مهجرا) خلال احداث العنف الطائفي تاركا كل شيء وراءه.. وقتها قرر الالتحاق باهله في الموصل، وبعد سنوات من ( البهذلة)، جمع مبلغا من المال ليشتري به قطعة ارض متواضعة وتمكن من الحصول على قرض مصرفي اجهز على معظم راتبه ليبني منزله ويؤثثه باثاث متواضع، ثم انتقل اليه اخيرا ليشعر بالاستقرار وينسى موعد الايجار.. فجأة، دخل (داعش) ليجهز ايضا على حياته الجديدة فخرج من داره هذه المرة نازحا وتاركا كل شيء وراءه.. لايؤمن هذا الموظف بالبدايات الجديدة طبعا فنهايتها في رأيه تهجير ونزوح وربما موت مفاجئ...
في السياسة هنالك دائما بدايات جديدة من وجهة نظرالسياسيين فهم يختلفون الى درجة تبادل الشتائم، ثم يتحالفون من جديد.. يعيثون في الوزارات والمؤسسات والدوائر فسادا وتفوح رائحة فسادهم الاداري والمالي ثم يبدأون من جديد بتغيير المسؤولين الكبار بآخرين من نفس القوائم والكتل، يخوضون انتخابات جديدة وفي كل مرة يعاد انتخاب نفس الوجوه.. انهم لايعرفون اليأس كالمواطن العراقي فهم واثقون انهم لن يفقدوا اماكنهم بسهولة وان بامكانهم ان يبدأوا افضل البدايات لوفقدوها فلديهم مايزيد عن حاجتهم لخوض حياة جديدة.. انهم يفقدون مدنا ومعدات عسكرية وخسائر بشرية من القوات المسلحة والحشد الشعبي والمدنيين بسبب الخيانات السياسية وتخاذل القادة العسكريين ويعدون الشعب بالكثير ويرسمون له احلاما وردية..
صاحب عربة لبيع (الغاز) اختصر متاعبه كلها بكلمة واحدة فكتب على عربته كلمة (عمريش)... هل تراه يؤمن بنفس الفلسفة ولاتهمه البدايات الجديدة ام يحاول التذكير بأن العراقيين لايعيشون حياة حقيقية؟.. في كل الاحوال فهولايحمل خوف جاك بريفير ولاتفاؤل الساسة بل يعيش عمرا عراقيا يبدأ بالحرمان ويرافقه التعب والخوف وقد ينتهي، هكذا، وبكل بساطة.. على حين غرة!
عمريش
[post-views]
نشر في: 25 مايو, 2015: 09:01 م