TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البصرة. الصورة والنجيتف

البصرة. الصورة والنجيتف

نشر في: 26 مايو, 2015: 09:01 م

ضمن حملتها لتحسين اوضاع المدينة، تشن بلدية البصرة وبالتنسيق مع الادارة المحلية حملة لرفع التجاوزات، بضمنها حملة قتل الكلاب السائبة، ومنع رعي الحيوانات في الحدائق والشوارع العامة. وهو عمل وإن جاء متأخرا كثيرا، لكنه يصب في استرجاع بعض مظاهر المدنية التي فقدتها المدينة خلال العقود الماضية.
ويبدو أن القائمين على الحملة هذه تمكنوا أيضاً من الحصول على موافقات من مراجع الاحزاب الدينية في النجف لرفع يافطات صور الزعامات والقادة للأحزاب تلك، على الرغم من احتجاج بعض أتباعها على ما تقوم به المحافظة. وهنا تبرز مزايدات سياسية، تتجاوز صورة المدينة وما يجب أن تبدو عليه من تزيين وتحضر إلى الايغال في التشدد والدعوة الى الاختلاف.
لا أحد في المدينة الجنوبية ولا في كثير من المدن العراقية ينكر ما لرجال الدين من دور في تحطيم آلة النظام السابق، لكن ذلك لا يعني انَّ البلاد خلت من الذين تصدَّوا له من غيرهم، علمانيين وليبراليين، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة وصابئة وآخرين، ولا أحد من رجال الدين السابقين والحاليين ينكر الدور الذي قام به أبناء الشعب العراقي في التصدي للنظام. ترى لماذا يعتقد البعض بان في رفع صور زعاماتهم إساءة لدورهم أو تقليلا من شانهم؟
يتحدث العاملون في شركة النفط الأميركية عن الموظف البريطاني الذي تعرض للضرب على أيدي متظاهرين متشددين، في العاشوراء قبل سنتين، بانه انزل العلم الحسيني برفق وعناية فائقتين، ثم قام بطيه بين يديه بما يتناسب مع قدسيته وحفظه في جيبه. كذلك نجد تعامل الدول مع اعلامها الوطنية، في مناسبات رفعها او إنزالها أو التبادل بين الفريقين، هناك تقديس واحترام لمقام الأعلام هذه. لكن الذي يلفت انظارنا أن مئات وآلاف الصور والاعلام والبيارق الوطنية والدينية التي ترفع في المحرم، تظل شاخصة الحول كله، تتمزق في الشمس وتعلكها الريح فتصبح خيوطاً وخرقاً لا معنى فيها. تمّحي الصور وتفتت السطور لكن قلَّ من يرفعها. أهكذا يقدّس الناس رموزهم يا ترى؟
يطلعنا اصدقاؤنا على صفحات الإنترنيت على صور لبغداد والبصرة والمدن الأخرى فنقع على أبهى والطف معاني الجمال، من نظافة وتنسيق في الشوارع والتقاطعات والمحال التجارية، بما لا شيء منه في حياتنا الآن. اما اليوم وبعد عقود من الزمن تطالعنا محافظة البصرة وعلى لسان الموظف الأول فيها بانها ستقوم بشن حملة تمنع بموجبها رعي المواشي في الشوارع والاسواق والتقاطعات، كذلك بانها ستنفذ حملة لتنظيف المدينة من الكلاب السائبة. وهنا نحاول أن نكون قريبين من النوايا الحسنة هذه، لكن يا محافظ البصرة اتعلم بان معظم رعاة الابقار والأغنام هم من غير سكانها، وأنهم جاءوا المدينة نازحين اليها من محافظات اخر، وانهم وجدوا الفرصة متاحة لهم بالرعي في البصرة لا سواها، مستغلين انعدام واستحالة تطبيق القوانين فيها؟
ما تحاول استرجاعه بلدية البصرة او إدارتها المحلية من مظاهر الجمال والمدنية والتحضر سيكون صعباً، ذلك لأنها تساهلت ما فيها الكفاية مع الخارجين على القوانين، ولأنها فرّطت في مناشداتنا، نحن التيارات المدنية في وجوب التعامل بموجب القوانين البلدية. سيكون صعبا عليها لأنها لم تأخذ بنظر الاعتبار ماضي وتاريخ المدنية، لم تنظر بعين صادقة لما يجب أن تكون عليه مدينة كبيرة، متحضرة مثل البصرة.
وهكذا نجد شوارعنا وحدائقنا وساحاتنا العامة لوحات مباحة لكل من يريد أن يعبّر عن وجهة نظره، يكتب عليها من شاء وما شاء. وإلا ما معنى ان يكتب ويوقع شيخ عشيرة على يافطة ملونة كبيرة، قائمة على ركائز حديدية، مصبوبة بالإسمنت ملونة(من أجل القضاء على الارهاب قاطعوا المنتوجات التركية) وفي البصرة تعمل اكثر من 100 شركة تركية. ما معنى أن أقرأ كل يوم وانا قافل، عائد لبيتي العبارة المكتوبة على سياج احد المنازل(البيت لا يباع ولا يؤجر، صاحب البيت مطلو. دم.دم.دم....م م م م)
الشارع والساحة العامة والتقاطع ملك لبلدية المدنية، وهي ملك عام لمواطنيها، ليست لحزب او لطائفة او لعشيرة، والإعلان جزء من خطة البلدية، وهي رسوم تدفع لصالح الخزينة، ومن ثم فهي مورد للبلدية فضلا عن كونها متمما أساسيا في المشهد العام الدال على النظافة والتنسيق والتزيين، الذي من خلاله يستقي الزائر الصورة الأولى لقيمة المدينة. هل نحن كذلك، وهل مدينتنا كذلك؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram