هنالك قصة مفادها أن أورسون ويلز سار مرةً إلى المسرح في عرضٍ قليل الحضور و قال للحاضرين : مساء الخير. أنا أورسون ويلز ــ مخرج، و منتج، و ممثل، و مدير فرقة موسيقية، و كاتب، و فنان، و ساحر، و نجم مسرح و شاشة و إذاعة، و مغنٍ وسيم بارع. لماذا هناك ا
هنالك قصة مفادها أن أورسون ويلز سار مرةً إلى المسرح في عرضٍ قليل الحضور و قال للحاضرين : مساء الخير. أنا أورسون ويلز ــ مخرج، و منتج، و ممثل، و مدير فرقة موسيقية، و كاتب، و فنان، و ساحر، و نجم مسرح و شاشة و إذاعة، و مغنٍ وسيم بارع. لماذا هناك الكثير هكذا مني و القليل منكم بهذا الشكل؟ "
لقد كان موهوباً بغزارة و متغطرساً إلى حدٍ قيل معه أنه لم يبق إلا أن يصير إلهاً! كما يقول الناقد روبرت غور ــ لانغتون في مقاله هذا.
لكنه كان معجزة من دون أي شك. " الولد الأعجوبةً "، كما كان يُعرف في أوساط المسرح، و قد ظهر على الغلاف الأمامي لمجلة Time و هو في سن 23 عاماً. و حين بلغ الـ 25 عاماً، أخرج، و شارك في كتابة سيناريو فيلم " المواطن كين "، 1941، و مثَّل فيه، و هو الفيلم الذي ظل لعقود يُعد أعظم فيلم تم إنجازه على الإطلاق.
و إذ تمر هذا الشهر الذكرى المئوية الأولى لميلاده يوم 6 آيار، ( و قد توفي عام 1989 عن 70 عاماً )، يمكننا القول ، للمفارقة، إن هناك مَن يتذكره اليوم للنبيذ المبتذل الذي كان يتناوله بقدر ما يتذكره لفيلم " المواطن كين " ــ و هو خبطة من خبطات شباك التذكر ــ أو أفلامه الأخرى، التي بقي الكثير منها غير منجَز بسبب افتقاره إلى التمويل أو تعرضه للتلف في الستوديوهات.
و كان ويلز في ستيناته قد استُنزف و بدا أشبه بيقطينة ملتحية هائلة. و كانت أناه، مع هذا كله، تفوق في قياسها حزامه، على الدوام. لكن كم يبدو لنا اليوم شخصيةً باعثة على النشاط! فهوليود زاخرة، كما هو معروف، بالناس الذين يمدحون بعضهم بعضاً في صخبٍ من التملق المتبادل الزائف. و أحياناً نجد البعض، مع هذا، يقول عرَضاً ما يعتقد به حقاً، مثل منتج الفيلم الذي وصف أنجلينا جولي بأنها " مدلّلة مفسَدة قليلة الموهبة ". و هذه رسالة ألكترونية مسرَّبة إلى طرف ثالث.
و كان ويلز سيقولها للممثل براد بِيت في وجهه. فمع أنه كان رجلاً محبوباً و حساساً فإنه كان أيضاً غير واقعي، و فظاًّ بشكل متهور و آراءه مثيرة للجدل بشكل متوقَّع منه. لكن بالنسبة لشخصٍ مثله قام بتثوير المسرح، و السينما، و الإذاعة كلياً ــ و قد خدع الرأي العام الأميركي بجعله يعتقد بأن نيو جيرسي يغزوها المرّيخيون بعمله المكيَّف عام 1934عن " حرب العوالم " ــ فإن عمله المهني كان ينتهي في وجبة غداء.
و كان يتناول عشاءه في المطعم الهوليودي نفسه مع كلبه المنتفخ البطن كيكي و صديقه السينمائي هنري جاغلوم، الذي كان يسجل أحاديثهما الاستثنائية، و كان يقطعها نُدُل، و نجوم سينما عابرون، و روائح فظيعة قادمة من تحت المائدة. و يبقى ( غداءاتي مع أورسون ) واحداً من أكثر الكتب تسليةً ، و إثارةً للصدمة بشأن صناعة السينما.
و كان ويلز يعرف كل شخص و كل شيء فيما يتعلق بالشغل. و كانت تعجبه كارول لومبارد و حلاوة شخصية كلارك غيبل . لكن غريتا غاربو كانت حسب رأيه " بقرة كبيرة العظم " كل أسلوبها عمل مسرحي قديم الطراز : " إنها تفعل أي شيء ستفعله أنت لو كنتَ ملكةً مملة تقوم بتقليد غاربو "!
و خلافاً لمعظم المخرجين، كان ويلز ممثلاً محترفاً، في أروع حالاته. لم تكن تؤثر به جدياً معظم أيقونات هوليود. فكان يعتقد، مثلاً، بأن معظم عمل براندو السينمائي كلام فارغ و بأن الرجل محدد بشيء واحد : رقبته، التي " تشبه قطعة سجق غليظة ... ". كما أنه كان باهتاً، وفقاً لويلز، الذي كان منصرفاً بالقدر نفسه عن لورنس أوليفيه. فكان يهدر بقوله عنه، " إن لاري غبي جداً، أعني جدّياً ". و لم يمنعه ذلك من أن يكون ممثلاً عظيماً، كما كان يُقرّ بإذعان.
و في إحدى المرات خلال وجبة طعام جاء ريتشارد بَرتون و سأل بأدب إن كان بوسعه أن يأتي بأليزابث تايلور إلى المائدة لمقابلته. فقال ويلز : " لا، كما يمكنك أن ترى. فأنا في منتصف غدائي. سوف أعرّج عليكما في طريقي للخروج ". فانسل برتون عائداً إلى مائدته كجروٍ أصابته لسعة سوط.
و ما كان ويلز يهتم لأن برتون قد أصبح آنذاك، كما عبَّر عن ذلك : " نكتةً مع زوجة شهيرة ... زوجة من دون رقبة ". و يبدو أن ويلز كان لديه شيء بشأن الرقاب، و كانت رقبته هو قد اختفت في الأربعينات خلف ذقونٍ عديدة. و قد بلغ في نهاية الأمر من الضخامة بحيث كان يطبّق حِمية غذائية ليمثّل حتى شخصية شكسبير، فولستاف، الشهير ببدانته.
و لقد تزوج أورسون ثلاث مرات و كانت له ابنة من كل زواج. و كانت زوجته الأولى فرجينيا نيكولسون التي فرّ معها في عام 1934 و كانا كلاهما في سن 19. و كانت حاملاً عندما أقام ويلز علاقة مع الممثلة جيرالدين فيتزجيرالد، و القنبلة الأميركية اللاتينية دولوريس ديل ريو، حسناء عصرها.
و حين تزوج حورية هوليود الحمراء الشعر ريتا هيوارث، زوجته الثانية، في عام 1943، أطلقت عليهما الصحافة وصف " الحسناء و الدماغ ". و قد انتهى ذلك الزواج أخيراً. فقد تركها من أجل الممثلة و الأرستقراطية الإيطالية بَيولا موري. و سرعان ما انفصلا و راح كلٌ في حال سبيله. و قد قضى الـ 27 عاماً الأخيرة من حياته مع الممثلة الحسناء الكرواتية أوجا كودار.
و كان ويلز ينظر إلى فيلم ألفريد هتشكوك " الـ 39 خطوة The 39 Steps "، و هو على صواب، على أنه تحفة أصيلة لكنه كره أفلام هتشكوك الملونة اللاحقة مثل " الدوار Vertigo" الذي تفوق منذ ذلك الحين على " المواطن كين " في استطلاعات الرأي كأعظم فيلم على الإطلاق.
أما بالنسبة لفيلم هتشكوك الكلاسيكي " النافذة الخلفية " ــ " أحد أسوأ الأفلام " برأيه ــ فقد قال بمرح خبيث : " سأخبرك بما يُدهش. و هو أن تكتشف أن جيمي ستيوارت ممثل سيّئ ... بل أن غرَيس كيلي أفضل من جيمي ".
و لم يكن ويلز يشعر بالغيرة من موهبة أي شخص آخر ، فقد كانت لديه وفرة من ذلك. إلا أنه كان يهزأ بالأذواق الغريبة للستوديوهات. كما لم يكن لديه وقت لهمفري بوغارت. " فبوغارت جبان و مقاتل سيّئ أيضاً، إنه يختار على الدوام عراكات في نوادٍ ليلية يعرف جيداً أن النُدُل هناك سوف يمنعونه من القيام بها "!
و كما هي حال العباقرة الآخرين، كان ويلز شخصاً غير قابل للترويض أو التقويم. و لم يكن يصنع أموالاً للمنتجين أبداً و كان على الدوام فظّاً تجاه أولئك الذين يمكن أن يساعدوه. و مات ضحيةً، كما يرى، لنظام الستوديوهات و فيلق أعداء هوليود. و الحقيقة المحزنة هنا أن أسوأ أعدائه كان هو نفسه.
عن: Express