كنت اتحدث اليوم مع محطة اخبار دولية عن جمود الحوار السياسي، فسألني المذيع عن "اخطاء السنة العراقيين". قلت له ان المشكلة هي ان المعترضين على السنة هم في الغالب متشددو الشيعة، الذين لا يقدمون اعتراضا معقولا يساعد على المراجعة، بل خطاب تخوين. وايضا فان سنة العراق لم يقوموا بمراجعة ادائهم بما يكفي، بينما اتيح للشيعة والاكراد ان يحاولوا القيام بذلك. وللانصاف فان خصوم السنة نجحوا في احباط محاولاتهم الاصلاحية، ونجحوا في جعلهم منقسمين سياسيا الى درجة تصعب معها المراجعة، وحتى لحظات التحول المعقول مثل الفترة بين ٢٠٠٨ و٢٠١١ جرى احباطها عبر عنتريات نوري المالكي.
لكن وبغض النظر عن الاسباب، يمكننا القول بان القوى السنية في العراق عجزت في الغالب عن الدفاع عن وجهة نظرها، بشكل جيد وكاف. وكانت القوى السنية تفشل في ابراز معتدليها، فيندفع متشددوها لتخريب اجواء التفاهمات. كما ان الحلفاء الاقليميين ليسوا على وفاق كما يبدو، ما ضيع علينا وساطات معقولة لبلورة موقف مصمم بشيء من العناية، يمكن ان يساعد على النجاة في ظل الحرائق الكبيرة.
الا ان الامر في نهاية المطاف ليس مرضا سنيا ولا شيعيا، بل هو مرض عراقي ناتج عن نقص خبرتنا السياسية. فالسنة لديهم نفس "المرض الشيعي" الذي يجعل صوت الحمقى ارفع واعلى في معظم الاحيان، ويبدد فرص التسويات.
وعلينا ان نتأمل طويلا في هذه "الحماقة" التي سترافقنا الى الجحيم لو لم نراجع امورنا بسرعة وحزم وعمق وحكمة. وعلينا الانتباه الى ان الجمهور الذي هو ضحية كبرى لفساد الحاكمين وسوء ادارتهم، هو نفسه يلعب دورا سلبيا احيانا بحيث يصبح السياسي ضحية للجمهور.
وفي احيان كثيرة اضطر لدخول خصومات مع ساسة ونواب وجهات دينية، على خلفية بيان متشدد او تصريح منفلت اطلقوه واصبح بمثابة فتنة تضيع فرص التهدئة. وحين ابحث معهم الاسباب اتعرض لصدمة بعد ان افهم الى اي درجة اصبح السياسي ضحية لمزاج الجمهور، والى اي درجة يخشى السياسي ان يخرج خصمه بصراخ طائفي فينتقل المؤيدون من المعتدل الى الصوت المتشدد، فنصبح كشعب، سببا لسباق تشدد يقضي على ممكنات التنمية السياسية المتعقلة.
ومن الصعب ان تنجح في اقناع جمهور ضعيف التأهيل، بان عليه ضبط اعصابه حتى وهو يموت بمفخخة انتحاري سني، وحتى لو ادرك ان الضحايا بينهم سنة. كما ان من الصعب اقناع الجمهور بان السياسة الشيعية التي ظلمته، هي ذاتها تظلم الشيعة انفسهم. وحينها يصبح الجمهور عاملا في تشجيع السياسي على الذهاب نحو اقسى الخيارات الحمقاء. وهذا امر لا يقتصر على العراق بل شاهدناه على مر التاريخ، وتدرسه علوم الاجتماع والدعاية والفكر السياسي.
لذلك علينا ان نفهم اهمية ما قام به حيدر العبادي ومقتدى الصدر نهار الاربعاء، حين طلبوا تصحيح شعار "لبيك يا حسين"، اذ انطوى الامر على شجاعة في مواجهة جمهور ينزف بغضب، وسط شرق اوسط يحترق طائفيا. لكن الرجلين، وقبلهما كان المرجع السيستاني، وقادة عراقيون معتدلون من باقي القوى الوطنية، يدركون ان القصة تستحق المغامرة، وان تزايد اصوات الحكمة في وسعه ان يقلب اراء الجمهور، الذي هو في النهاية يتأثر بسرعة. كي لا يبقى السياسي ضحية للناس، الذين هم بدورهم ضحايا للساسة.
واختم اخر مقال لي هذا الاسبوع بما كتبته قبل يومين. ان اصعب التساؤلات المحيرة تتملكنا ونحن نتحسس العتاب العميق لنا جميعا، في عيون الجندي المقاتل مصطفى، الذي قام داعش باعدامه بطريقة جبانة في الرمادي. وسأظل الى الابد، اتذكر نظرة عتابه هذه، للوطن ولنهر الفرات وللشعب والطوائف والشجعان والجبناء والمجانين، سواء كان الجندي المغدور راغبا بالقتال كما يعتقد العبادي، او غير راغب بذلك كما يرى البنتاغون.
العبادي والصدر و"اخطاء سنية"
[post-views]
نشر في: 27 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
د عادل على
طريق النجاح لسنة العراق هو رمى السلاح والدهاب الى البرلمان لحل كل المشاكل هناك وليس بجعل غرب الوطن ساحة لقتال يضر بالسنه والشيعه-----والداعش جرثومه خطيرة في الجسم العراقى وحرب داعش حرب مجنونه--وتجلب الموت والخراب للسنه وللشيعه----اتحدوا ياسنه واتحدوا تحار
sattar
ليس من العدل التصديق ان اندفاع يعض السياسين الى الصف الطائفي هو نتيجة لضغط الجمهور والناس وان طائفيته هي استجابة لرغبة الجمهور السياسي , وا الشعب العراقي بكل تلاوينه يشكل صورة موحدة كل لا تتجزا وليس بين الوانها تنافر او تقاتل بل القلة المريضة سياسيا وديني