يمضي مسؤولونا سنواتهم في السلطة وهو يعلنون للعالم نظرية جديدة خلاصتها: "ان الديموقراطية لا تعني مسألة المقصر والفاشل، لديموقراطية هي ان يجد المسؤول من يحميه تحت قبة البرلمان".
أرجو ألا يظن أحد أنني أحاول أن اعيد عليكم حكايات ساستنا "الاكارم"، لكنني أريد القول أن لا شيء يحمي الدول من الخراب، سوى مسؤولين صادقين، في العمل وفي الاعتراف بالتقصير، في الصح وفي الخطأ.
منذ أشهر ونحن نقرأ ونسمع اخبار اللجنة التي تشكلت لمعرفة اسباب سقوط الموصل، وبعد ايام سندخل العام الاول لهذه الحكاية الغامضة التي يريد لها صناعها ان تنافس روايات المرحومة اجاثا كريستي.
كانت صاحبة جريمة غامضة في بغداد تكتب وهي جالسة تستمتع باثارة فضول قرائها، أما مسؤولونا فكتبوا "الجريمة الغامضة في الموصل" وهم يشتمون بعضهم البعض في البرلمان، واذا اقتضى الامر فلا خيار غير الملاكمة.
أُدرك وأعي أنّ جماعة دولة القانون سيتهمونني بالانبطاح، لانني نسيت ان ملف الموصل اغلق "بالقفل والمفتاح" مثلما زفت الينا النائبة عالية نصيف امس بشرى ختام المأساة، ولكن اسمحوا لي أن احدثكم عن مناسبة من نوع آخر مرت قبل ايام، انها ذكرى رحيل باني الهند الحديثة جواهر لال نهرو الذي يطلقون عليه اسم مخترع الهند، ففي صفحات كتاب صدر حديثا بعنوان " اختراع الهند قصة حياة نهرو"، يأخذنا مؤلفه في مسيرة، بطلها رجلا من عائلة استقراطية، قضى معظم حياته، يتضامن مع المهمشين والمنبوذين، لم يطلب من الناس ان ينظموا لحزبه، ارادهم فقط ان يحبوا بعضهم البعض من دون شعارات وبلا مزايدات سياسية، لكنه يحلم باختراع بلاد لجميع ابناء وطنه.
الاريستوقراطي الذي تبنى الاشتراكية وعشقها، وطالب الفلسفة والاقتصاد في جامعات لندن، والذي امضى سنوات طويلة في سجون المستعمر،
الرجل الذي استطاع ان يحول الهند من دولة فقيرة تنتظر المساعدات والعطايا، الى واحدة من اكبر اقتصاديات العالم، رفض ان ينتمي الى مذهب معين، لكنه حرص على الحفاظ على المذاهب الكثيرة. واصر على ان الهند بلد الاجناس والاعراق.
عام 1955 يقف خطيبا في مؤتمر عدم الانحياز: "أيها السادة، أنتم تثيرون فزعي، إن كثيرين من أصدقائنا هنا يتحدثون عن الحرية والديمقراطية، يكرروها عشر مرات على الأقل. أريد أن أسألكم: ماذا تعرفون عن "الحرية الديمقراطية؟.إنني لا أقصد أن أزرع اليأس في نفوسكم، ولكنني أريدكم أن تستشعروا أن كلمة "الديمقراطية " وكلمة "الحرية" ليستا تعبيرات "ثورية "، وإنما أثقال ومسؤولية، مخيفة ".
يتكرر مشهد اصحاب ديمقراطية الشتائم في برلماننا الموقر، مجرد إضافات جديدة، لديكور لم يتغير منذ عام 2003، وفي كل يوم يضيفون الى قائمة السياسة، مصطلحات جديدة تزيد الفرقة وتسعى لتمزيق الوطن.
كان لي كوان يقول إن تعدد الطوائف هو الذي حمي مستقبل سنغافورة، فيما التعدد لدينا يأخذنا الى مصير مجهول.
اجاثا كريستي في الموصل
[post-views]
نشر في: 29 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ام رشا
تقديري و احترامي لحضرتك كنت أتمنى ان تسأل نفس سؤال المرحوم نهرو للسيد الجعفري ماذا حل بالحرية والديمقراطية في العراق وسيتحفنا باجابته بان الحرية هي الخروج من القمقم والديمقراطية هي المشاركة في الحكم في البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية والدنيا ربيع والجو
د عادل على
الموصل كانت دائما معقل للقوميين العرب والبعث العربى--------انها لم تكن صدفه عندما تمردت الموصل على بغداد عبدالكريم قاسم في سنه 1959-وكان العقيد عبدالوهاب الشواف قائد هد ا العصيان العسكرى والمدنى----------المدهبيه السنيه قويه جدا في الموصل ---- الداعش