بدت قاعة هالينشتاديون بمقر (فيفا) في زيوريخ مسرحاً كبيراً مارس فيه رجالات 133 اتحاداً في العالم أدوارهم المرسومة بعناية فائقة مصحوبة بوصايا كُتلٍ قارية حرصت بشدة على تأمين مصير العجوز جوزيف بلاتر من السقوط غير المحسوب في الانتخابات لينال ولايته الخامسة باعتباره الرئيس الثامن للاتحاد الدولي لكرة القدم منذ عهد الرئيس الأول الفرنسي روبرت جورين عام 1904 ، ويراد له أن يُعمّر أطول مدة ممكنة لمصالح غدت مشبوهة رُفع الغطاء عنها ولم تعد الشفافية إلا ديكوراً عارياً تهشم في عاصفة الفساد!
مؤيدو بلاتر كانوا أكثر خوفاً وهلعاً من انصار الشاب العربي الأردني علي بن الحسين، هؤلاء سارعوا لإنقاذ بلاتر والاصطفاف الى جواره وكانوا في وضع يثير الشفقة حقاً أمام كاميرات التلفاز عندما اصفرّت وجوههم وتململت نفوسهم وتشابكت اصابعهم بانتظار قرار ابن الحسين بالانسحاب من المنافسة قبل بدء الجولة الثانية من مرحلة التصويت، فالقدر ربما يصعقهم ثانية بعدما هزّهم بـ 73 صوتاً أيـدّ التغيير الشرعي لمؤسسة (فيفا) وتنظيفها من طبخات الفساد التي أعمَت عيون راكبي موج السويسري المسؤول الأول عن أية خروقات بما فيها الصفقات التي تثار حولها الشكوك هنا وهناك والتي بسببها ألقت السلطات الأميركية قبل 48 ساعة من بدء التصويت القبض على 9 مسؤولين بارزين في (فيفا) و5 متخصصين في مجال الإعلام والتسويق الرياضي وجّهت لهم اتهامات بدفع رشا تزيد على 150 مليون دولار على مدى 24 عاماً.
أهل مكة أدرى بشعابها ، والغضب العارم من تجديد الولاية لبلاتر كان قوياً، وعُـدّ أمس الأول الجُمعة يوماً أسوداً في تاريخ كرة القدم، وأقـرّ غالبية المراقبين بأن (فيفا) ليست مؤسسة نظيفة ، بل بحاجة الى الاصلاح والتطهير، وما وقوف رئيس الاتحاد الأوروبي ميشيل بلاتيني بوجه بلاتر وإعلانه مساندة ابن الحسين وتلميحه بمبادرة انسحاب الاتحادات الأوروبية من بطولة كأس العالم 2018 في روسيا إلا نذير بتطورات مهمة في المستقبل القريب على صعيد اتخاذ القرارات التاريخية لإنقاذ (فيفا) من سطوة بلاتر وهو يقف على حافة العقد الثامن تاركاً مؤسسة كبيرة مثل الاتحاد الدولي غارقة بالصراعات والانقسامات وروائح الفساد تزكم الأنوف منذ توليه المسؤولية عام 1998 حتى الآن.
التاريخ لن يرحم آسيا أيضاً ، وبالأخص عرابي حملة انقاذ بلاتر من المخطط الأوروبي لإزاحته عن السلطة، فالكساد الآسيوي في علاقات الاتحادات مع بعضها في هكذا مناسبات تحدد مستقبل القارة ضمن خريطة توازنات القوى في اللعبة حقق أعلى رقماً في خسائر المبادئ التي طالما تبجحت بها شخصيات عربية متنفذة معروفة بتحركها لبلورة قرار يحضُّ غالبية الاتحادات 46 على المساندة مقابل وعود واهية بشهادة سقوط اتحاد كرة القدم العراقي في فخ اكذوبة (رفع الحظر) على مرّ السنين التي كان خلالها بلاتر ينظر بازدراء لظروف العراق وما نجم عنها من مأساة كبرى حرمته من ابسط حقوق لاعبيه وفرقه ومنتخباته في اللعب على ارضهم ، حتى أيقنا أن الملف سيبقى عُرضة للمساومة طالما يتولى مسؤولية قيادة الكرة العراقية اشخاص يعملون بمنتهى السخاء لإرضاء قيادات الاتحادين الآسيوي والدولي في الحملات الانتخابية ولم يستردوا حقوقنا المعطلة على أدراج الانتظار!
لن نقبل ببقاء الحظر المفروض الى ما لا نهاية ، وسيكون وزير الشباب والرياضة عبدالحسين عبطان ورئيس اتحاد كرة القدم عبدالخالق مسعود مسؤولين امام الحكومة والشعب في حال اخفقا في إلزام رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر ومكتبه التنفيذي الجديد على دفع ثمن الصوت العراقي في الانتخابات لانهما كانا من اشد المساندين لحملة السويسري وأظهرا رغبتيهما الجامحة في تعضيد الكتلة الآسيوية بزيوريخ التي خطط لها وقادها عضو اللجنة التنفيذية الدولية احمد الفهد وسبق ان التقيا به أكثر من مرة سعياً لإنهاء معاناة كرتنا التي نأمل ان تدشن مرحلة جديدة لاحتضان انشطتها الرسمية على ملاعب البصرة وبغداد وأربيل .. وإن غداً لناظره قريب.
فساد (فيفا) وكساد آسيا
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2015: 09:01 م