سواء أكانت تسمية شارع الثقافة البصرية بشارع الفراهيدي او شارع الجاحظ أو الاصمعي أو غيرهم من عمالقة الثقافة البصرية العراقية العربية وسواء اقال هذا وذاك عن الجاحظ شيئا أو عن الفراهيدي شيئا آخر فالنتيجة واحدة بالنسبة لمثقفي المدينة. الفراهيدي علم بصري كبير والجاحظ علم بصري أكبر والاصمعي مثلهما. ولو عدنا إلى قولة شاعرنا الكبير كاظم الحجاج حيث يقول، وهو يعدد أسماء أعلام الثقافة في البصرة ولا ينتهي عند رقم بعينه: "يا لهذه الاسماء اللامعة التي لو فُرّقت على قارَّةٍ لوسعتها!!!"
ولتبيان ما بين الخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في عُمان سنة 100 للهجرة والمتوفى في البصرة سنة 170 للهجرة وبين أبي عثمان بحر الجاحظ المولود في البصرة سنة 159 للهجرة والمتوفى فيها سنة 255 للهجرة سيكون نصيب الجاحظ اوفر من نصيب الفراهيدي في البصرة، ذلك لولادته ونشأته ووفاته فيها، فضلاً عن قيمته الادبية والعلمية وموسوعيته التي تجاوزت مئات المصنفات، أضيف إلى ذلك فهو مؤسس الفرقة الجاحظية في الاعتزال، وواحداً من أكابر أئمة علم الكلام عند العرب، وهو الذي سقطت أرفف مكتبته عليه فمات. فيما لم يُعرف الفراهيدي -على أهميته- إلا بكونه واضع علم العروض وصاحب العين، أول معجم للعربية.
وبعيدا عن هذه وتلك فقد شكل افتتاح الشارع سعادة غامرة ألقت بظلالها أمس الأول على جمهور الثقافة في البصرة، وهم يشهدون افتتاح شارع الفراهيدي الثقافي، وسعادة اخرى ان تكون حكومة البصرة المحلية راعية لفعاليات الشارع هذا، وسعادات أخر بانتظار الحراك الثقافي المدني في عموم الحاضرة الجنوبية الجميلة التي تأخر فيها وجود مكان كهذا يلتقي فيه محبو المدنية والتحضر والآمال العريضة. فقد صار بميسور النساء المحبات للثقافة والفنون والآداب التجوال والتبضع وسط مجتمع يحترم وجودهن، حيث كان مشهد البعض منهن وهن حاسرات سعادة لنا واملا في إطلالة مدنية آمنة لهن.
وسط المباهج هذه، لا نريد أن نقفز بطموحاتنا أبعد مما يجب، فقد كان اختيار المكان مناسباً، الحديقة جميلة، ولا تتسبب بأزمة مرورية، ولا يتضايق منها أحد، فلا هي قريبة من السوق ولا هي ببعيدة عنه، ولا هي قرب الدور السكنية ولا هي بالبعيدة عنها، في الحديقة من السعة ما يسمح لباعة الكتب بعرض بضاعتهم، ولنا ما يسمح بالتجوال وشراء الكتب والحوار المغني. لكن الاشجار التي تظلل وتحيط بنا غير كافية لحجب حرارة الشمس اللاهبة عنا، وعدم وجود مقهى او كازينو او مطعم في المنطقة هذه يجعل منه مكانا محدود الحركة، إذ سرعان ما يغادره روادُه بحثا عن قنينة ماء بارد او استكان شاي او سندويش.. هكذا مثلما تكون الحاجات لمثل الامكنة هذه دائماً.
كان وجود رئيس اللجنة الثقافية في المجلس باسم خلف فارس علامة دالة على أن حكومة المدينة تريد رعاية المكان والثقافة والمثقفين، لكن ضيق يد الحكومة كان خيبة كبيرة لفريق (إنجاز) – الجهة القائمة على المشروع- إذ أن مبلغ 250 ألف دينار الذي تبرعت به لجنة الثقافة مبلغٌ مخجل، إذا ما علمنا بان الفريق تحمل كلفة إيجار المناضد والكراسي والمظلات، ومن جيب القائمين الشباب أنفسهم. لذا نجد أن اقتطاع مبلغ بسيط من عشرات المشاريع التي يتندر على تنفيذها المواطن البصري لصالح مشروع ثقافي وليد كهذا سيسهم في تغيير الصورة القاتمة التي انطبعت في عين المواطن هذا في اقل تقدير، المواطن الذي يسجل على أداء الحكومة هذه عشرات المثالب والاخفاقات، نقول ذلك ونذكر بانه (المواطن) تحدث ساخرا، متهكما مستغربا، متعجباً من كلفة اللوحة التعريفية الخاصة بالمبنى الرسمي للمحافظة والتي تجاوزت الـ 80 مليون دينار.
تحية كبيرة لجماعة إنجاز على جهدهم الذي تكلل بالنجاح، ومثلها للحكومة البصرية التي باتت مدعوة للعمل على ديمومة النجاح هذا، اما منتجو ومحبو الثقافة والمدنية فهم الأكثر عناية بالمكان هذا، إذ سيكون لوجودهم وتزاحمهم عليه صباح كل جمعة الاثر البالغ من أجل رؤية البصرة حاضنة للثقافة والتحضر والمدنية.
بين الفراهيدي والجاحظ شارع للثقافة في البصرة
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...