TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سعادات البصرة والفراهيدي

سعادات البصرة والفراهيدي

نشر في: 1 يونيو, 2015: 09:01 م

كل الناس شاهدوا افتتاح شارع للثقافة في الطريق الواصل بين مرفأ العشار والمدينة القديمة بالبصرة. فما يعرف بحدائق العباسية تحولت الجمعة الى ورشة للتشكيل والنحت والموسيقى وعرض اصدارات الكتب الحديثة، وان كنت اتساءل: لماذا لا يجري اختيار شارع تراثي لهذا الغرض، يكون محميا بشكل افضل، ويربط الثقافة بتلك المساكن التاريخية الهائلة، سواء في البصرة القديمة او العشار؟ وهذا سؤال يتكفل به بصاروة البصرة انفسهم. لكن المهم ان من يزورون المدينة حتى في هذا الزمن المكدر، يدركون ان فيها طاقة روحية كبيرة تحتاج الى شيء من المبادرة والتنظيم كي تقدم صورة اخرى عن مجتمعنا، الذي يقوم البعض باختزاله في صراعات عشائرية بلا نهاية، تمثل استنساخا لكل نزاعات العبث التي تدمرنا منذ وقت طويل.
ولا اشك ان هناك فرصة لنشاهد في الاسابيع المقبلة افتتاح ورش ثقافية اخرى في باقي المدن التي لم نخسرها لصالح جيوش الانتحاريين.
ان ما حدث في البصرة هو جزء اصيل من الحرب على الارهاب، لا يقل اهمية عن حمل البنادق والتضحية بالنفس في الجبهات. وكلما نجحنا باستدراج شاب الى ورشة للفن والتشكيل والقراءة والسينما، فاننا قللنا من فرصة انضمام عنصر جديد للتشكيلات المسلحة التي تمثل خطرا على الجميع، الان او في المستقبل. ولكن ليس هذا هو المهم فقط. بل ان الانتصار الحقيقي على داعش ومن يشبهها، يتم عبر اثبات ان في وسعنا ان نحتفل بالحياة حتى في احلك الظروف. لذلك اناقش احيانا مع المتشددين في موضوع اجتثاث البعث، ان افضل الغاء لهذا الحزب من حياتنا هو الغاء اخطائه. اذ ان البعثيين مسرورون جدا لان ساسة هذه الايام يقومون بتكرار معظم سياسات البعث الخاطئة، سواء في العلاقة مع الشعب او التصور للسياسة الخارجية، او التعامل مع الازمات التي لا تحتاج انفعالا وارتجالا.
ان افضل رد على داعش هو ان نهيئ لابناء المقاتلين، مناخ المعرفة وتربية الاحساس وتذوق الفنون. اما اذا بقي ابناء المقاتلين يعيشون في مدن لا ترى فيها سوى شوارع متربة ووجوها هدها الاحباط، فان داعش تنتصر عليك حتى لو نجحنا في شنق "الخليفة" على اسوار نينوى!
اما ما يؤلم المرء فهو ان مؤسسات الدولة التي تتسابق لدعم كثير من الفعاليات "الاجتماعية" التي قد لا تحتاج دعما، تقف متفرجة ولا تقدم مساعدة حقيقية لهذه الفعاليات، حتى قبل عهد التقشف الحالي. فقد جرى التعامل مع النشاط الثقافي بوصفه عبئا ونشاطا ترفيا فاشلا، يقوم به فاترو الاعصاب وغير الجادين. بينما نتجاهل الدور الحاسم الذي تلعبه الانشطة الثقافية المتقنة، حتى في ترميم علاقتنا بالعالم من حولنا، وفي تنبيه الدنيا الى اننا شعب مساهم في رسم الصورة الابداعية العامة في هذا الزمن، ونستحق الاسناد والدعم ضد كل كارهي الحياة. وكل بلد لا يشهد نشاطات ابداعية منتظمة هو جزيرة معزولة عن العالم، من الطبيعي ان يؤدي الملل والسأم والرتابة بين سكانها، الى تضخيم الخلافات والنزاعات واشعال الحروب الداخلية.
تحية للبصاروة الشباب الذين خففوا شعورنا باليأس. وعتاب لا ينتهي لكل مؤسسة حكومية متخمة بالنفقات الزائدة وصفقات المال الحرام، تتفرج على هؤلاء المبادرين دون ان تبادر لدعمهم وتشجيعهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram