على شاطئ دجلة ، جنوبي مدينة الشرقاط ، تغفو قلعة آشور العاصمة الاولى للامبراطورية الآشورية التي تعد واحدة من اهم المعالم التاريخية في العراق ضاربة عمقا في جذور التاريخ ، اذ يرجع تاريخها الى العام 2500 ق.م فهي العاصمة الدينية للآشوريين والتي استمرت لحي
على شاطئ دجلة ، جنوبي مدينة الشرقاط ، تغفو قلعة آشور العاصمة الاولى للامبراطورية الآشورية التي تعد واحدة من اهم المعالم التاريخية في العراق ضاربة عمقا في جذور التاريخ ، اذ يرجع تاريخها الى العام 2500 ق.م فهي العاصمة الدينية للآشوريين والتي استمرت لحين 614 ق.م عندما دمرها البابليون وان الإله آشور مستقر فيها ومنه يأخذ الملك الأذن بالغزوات وتحريك الجيش واليه يعود بالغنائم والأسرى ، فللمكان قدسية كبيرة في نفوس الاشوريين الذين عمدوا إلى اقامة عدد من المعالم المهمة فيها تتمثل بقصور ومقابر ملكية اضافة الى زقورة شامخة في نصف المدينة كذلك عدد من البوابات التي تحيط بالمدينة اشهرها بوابة تابيرا. توالت على القلعة عمليات حفر وتنقيب منذ العام 1913 لكن جل ما نُقّب فيها لا يتجاوز الـ 5 % من المدينة الاثرية.
آشور وداعش
بعد ان أحرقت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل ، عادت غربان الشر المتمثلة بداعش لتمارس هواياتها المفضلة في الخراب والدمار . تعود اليوم للعمل على طمس حضارة امتدت لاكثر من 25 قرنا قبل التاريخ بعد ان عملت على تدمير اطلال مدينة وضعت قدما غائرة في تاريخ الانسانية ، حيث اقدمت هذه العصابة بدم بارد على تفجير عدد من معالم مدينة اشور الاثرية في الشرقاط (قلعة اشور) . فبعد ان دمرت اثار مدينة النمور واختها الحضر عادت هذه المرة الى المدينة الأم للامبراطورية الاشورية لتجعل عددا من معالمها الاثرية في خبر كان متناسين ان لعنة الإله اشور ستجعلهم يعضون اصابع الندم على ما قاموا به.
بوابة تابيرا: البوابة الدينية للمدينة الاثرية وهي واحدة من 20 بوابة لم يتم التنقيب عنها لحد الان وتعتبر البوابة الدينية للمدينة كما ان لها اهمية ستراتيجية كونها تقع من جهة الشمال ومنها يتم التواصل مع الامصار التابعة للعاصمة.
قصر فرحان باشا ، او المتحف : يطل مباشرة على نهر دجلة وهو المقر الرئيسي للوحدة الادارية لناحية الشرقاط التي استحدثت في العام 1922 .
المقبرة الملكية : تتوسط المدينة الاثرية فيها رفات العوائل الملكية التي توالت على حكم المدينة ، فقد عمدت وزاراة السياحة العراقية الى حمايتها بجدار زجاجي يؤمنها من العبث والسرقة بكلفة 600 مليون دينار.
جريمة جديدة
الى ذلك ، عدت وزارة السياحة والاثار قيام عصابات داعش الارهابية بتفجير مدينة آشور الأثرية في قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين بأنه حماقة وجريمة جديدة لهذه العصابات، داعية المجتمع الدولي الى ايقاف استهداف التراث الانساني.
وقالت الوزارة في بيان: ان الخسارة التي يُمنى بها التراث الانساني جراء حماقة جديدة من هذا النوع كبيرة ومؤلمة وتستوجب ردة فعل حقيقية وجادة من قبل المجتمع الدولي الذي يقف معنا في خندق الدفاع عن ذاكرة العالم متمثلة بحضارة بلاد النهرين الخالدة.
من جانبها ، نددت الجمعية العامة للامم المتحدة باعمال التدمير والنهب التي يقوم بها تنظيم «داعش» للمواقع الاثرية في العراق ودعت الى تـوفير الحماية للتراث الانساني الـعراقي. وجاء في قرار قدمه العراق والمانيا وصوتت عليه الجمعية العامة بالاجماع "ان المجتمع الدولي يعرب عن قلقه من تزايد حوادث التعدي المقصود على المواقع الاثرية في العراق من جانب ارهابيي داعش"، معتبرا ان محتويات الارث والثقافي والتاريخي في هذا البلد تتعرض لعمليات نهب وتهريب منظمة.
واعتبر القرار ان المواقع الاثرية في العراق المستهدفة باعمال النهب والتهريب وكذلك المواقع الدينية ومحتوياتها تتعرض لحملة هجوم مقصودة بهدف نشر الارهاب والكراهية واشاعة الفكر المتشدد. داعيا: الى وقف فوري لمثل هذه الاعمال المدمرة لتاريخ العراق وإرثه الثقافي الانساني، مؤكدا ان الاعمال التي يقوم بها المتشددون سواء اعضاء التنظيمات الارهابية او الافراد غير مقبولة ولا يمكن التسامح ازاءها.
وقال نائب الامين العام للامم المتحدة يان الياسون امام الجمعية: "ان استهداف المواقع الاثرية والهجمات على الارث التاريخي تشكل مأساة لم تتوقف في العراق، لكنها ازدادت بمستويات غير مسبوقة ما يؤكد بان ذلك مخطط له بشكل منظم."
واكد الحاجة الى عمل منسَّق واجراء قانوني لوقف مثل هذه الاعمال المهددة للارث التاريخي الانساني، مشيدا بالدور الذي تلعبه منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) من اجل التصدي للاعمال المهددة للتراث الانساني والثقافي في العراق.
مقراً لداعش
في الماضي القريب ، كانت قلعة اشور مركزا لمدينة الشرقاط، ولقلعة اشور مكانة خاصة في نفوس اهل الشرقاط قاطبة ، كيف لا واسم المدينة مشتق من احد اسماء ملوكها السابقين فالشرقاط هي القلعة والقلعة هي الشرقاط لا يمكن فصل احدهما عن الاخر ناهيك عن انها المتنفس الوحيد لابناء المدينة حيث يقصده الجميع خصوصا في فصل الربيع لما تتمتع به من قدسية خاصة فعشرات القبور التي تعود لسكان مدينة الشرقاط موجودة في القلعة.
عن تفجير القعلة يقول المواطن سلام الضاحي لـ (للمدى) منذ ان احتلت عصابات داعش المدينة اقدمت على اتخاذ المدينة الاثرية مقرا لها مستفيدة من عدم استهدافها من قبل الطيران العراقي خوفا على الاثار الموجودة فيها ... يتابع : في صباح احد الايام كنت اسير على الطريق الرئيسي المحاذي للمدينة حين استوقفتني سيطرة تابعة للتنظيم قائلة "يجب عليك الابتعاد عن هذه المنطقة كوننا سنقوم بتفجير (الأوثان)" ، قلت لهم "لا توجد هنا أوثان" قالوا لي "توجد ، ألم تلاحظ هذه الاقواس التي يهتم بها العالم ، اليست هذه اوثان؟" . احدهم صرخ في وجهي بعبارة ( لاتسولف زايد) ادرت ظهري لهم عائدا الى بيتي، ما ان وصلت البيت حتى سمعت صوت انفجار هائل ادركت في حينها انهم اقدموا على تفجير المعالم المهمة في القلعة.
عاصمة تاريخية
يرى د. مربد الضامن ،استاذ التاريخ في جامعة تكريت، ان اطلال المدينة الاثرية في الشرقاط تتعدى كونها مدينة تاريخية فهي مرتبطة بمدينة الشرقاط ارتباطا وثيقا فكل مواطن في هذه المدينة يمتلك ذكرى مع هذه المعالم التي اقدم تنظيم داعش على هدمها بطريقة بربرية ، ناهيك عن اهميتها التاريخية فهي اول عاصمة لامبراطورية امتدت الى الى اربع دول هي العراق وسوريا وتركيا وايران اضافة الى ان جميع المعالم الظاهرة منها لا تتعدى 5% من حجم المدينة فقد عمدت حكومة البعث الى تحجيم الحفريات الاثرية في المدينة الاثرية للسياسة الخاصة التي تتبعها تلك الحكومة مع مدينة الشرقاط عامة ...
فيما يرى الباحث في الشؤون الاثرية والتاريخية (حسين العنكود) ان المدينة الاثرية في الشرقاط تمثل النواة الرئيسية لجميع المدن الاثرية الاشورية فلا توجد مدينة اشورية الا وكانت تشير في احد معالمها الى مدينة اشور في الشرقاط اضافة الى ذلك فهي محط اهتمام جميع البعثات التنقيبية والمهتمون بالآثار الآشورية...
تحذيرات سابقة
سبق وان حذر آثاريون عراقيون من ضياع كنز قلعة اشور في الشرقاط . يقول الباحث الاثاري عبد محمد الجبوري ،من مفتشية اثار صلاح الدين، "إن النهر جرف اكثر من 30 مترا من القلعة الشهيرة وبعرض 25 مترا وبعمق 15 مترا." مضيفا أن عشرات الرقم الطينية والألواح والتماثيل قد جرفها النهر بسبب عدم وجود جدار واقٍ ضد المياه التي تفيض في كل موسم. مضيفا: "يؤشر التدمير الحاصل في قلعة اشور إلى أن الاثار العراقية الاكثر قدما في العالم تعد كذلك من اكثر الاثار التي تعرضت للتدمير المبرمج والعبث عبر التاريخ بسبب ماتعرض له هذا البلد عبر تاريخه من غزوات وحروب وكوارث طبيعية."
اهتمام حكومي
المهندس (سعيد الجبوري) المعاون الفني لمحافظ صلاح الدين افاد للمدى :"لم يكن اهتمامنا بقعلة اشور في الشرقاط وليد اللحظة ، فمنذ تسلمنا المهام عملنا على التواصل والتنسيق مع منظمة اليونسكو من اجل وضع خطة لإحياء المدينة الاثرية." ويضيف قائلا :"بعد الحادث الاخير الذي عصف بالمدينة توجهت الى عمان مصطحبا معي مدير دائرة الاثار في المحافظة للقاء عدد من المستشارين ابرزهم الخبير العالمي باليونسكو البروفسور الايطالي جيوفاني فونتانا واتفقنا على توقيع مذكرة تفاهم لحماية اثار المحافظة وقلعة الشرقاط لا سيما انها مدرجة على لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو كما وضعنا خطة لاعادة تاهيل المدينة بعد التحريراضافة الى حصولنا على تمويل خاص لمدينة اشور في الشرقاط."
من جانبه ، ذكر مدير دائرة الاثار في محافظة صلاح الدين (الدكتور عمر عبد الرزاق محمود) بأن هنالك اهتماما كبيرا من قبل وزاراة السياحة والاثار بالمواقع الاثرية التابعة للمحافظة وان هنالك عددا من المشاريع التي تعتزم الوزارة تنفيذها في المدينة الاثرية في الشرقاط ( قلعة اشور ) وان قلعة الشرقاط سوف تعطى اولوية لاهميتها التاريخية اضافة الى الاضرار التي لحقتها نتيجة اعمال التخريب التي طالتها مؤخرا .
