اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اعترافات اول سنين داعش

اعترافات اول سنين داعش

نشر في: 6 يونيو, 2015: 09:01 م

بعد نحو سنة من انتكاستنا مع داعش، لم تعد تدهشني قدرة الكذابين على الكذب. انهم يكذبون "لمصلحة الامة". ويحرفون الحقائق "لمصلحة الامة". لكن تدهشني قدرة الناس على تصديق الكذب. فبامكان اي صورة مع تعليق ناري، ان تخلق هستيريا جماعية في ظل غياب مرير لقواعد تحديد المصدر الموثوق. ان "غرف الوتساب" التي صارت "مقاهي ديجيتال" في هواتفنا، تفضح كمية الانخداع التي نعيشها، وها نحن نشاهد كيف يقع حتى النخب في فخاخ صبيان يتلاعبون بالتصريحات والمعلومات والصور. ولا اعتقد ان الكذب ساهم في خراب الديار كما يساهم اليوم. ان التدريب على معالجة الكذب اهم من اي اصلاح سياسي في هذه اللحظة. ولكن هيهات! فبينما اصبح الكذابون اكثر فاعلية، وصار الناس اكثر قابلية على تصديق التحريفات، اصبحنا اقل قدرة على الصراحة والافصاح والبوح والكلام، مقارنة بالعام الماضي. اذ تمر احداث جسيمة دون ان تحظى منا بتعليق يوازي خطورتها. وحين يحدث هذا اسأل اصدقائي: هل ترون كيف صمتنا على القضية الكذائية؟ فيجيبني معظمهم: لنصمت ونرى ما يحصل.
انه مؤشر سيء للغاية. والدليل اننا لسنا نحن الوحيدين الذين نجرب الصمت بعد مرور سنة على داعش. فحتى الزعماء ومسؤولي الخط الاول، كانوا اعلى صوتا قبل عام. كانوا يطالبون بالتغيير يملؤهم الامل بامكانية ذلك، او انهم كانوا سعداء بالحديث عن تلك الافكار. اما اليوم فهم مشغولون بالبارود والشهداء وتمدد "الخليفة" وكل هذه الكراهية المتبادلة، وصارت نبرتهم اخفض وحماسهم للاصلاح والحوار الداخلي اقل.
وفي نفس المسار لم نعد نسمع اشياء واضحة من الرقابة البرلمانية حتى بمستوى التنبيه. بات مجلس النواب حلبة ملاكمة يومية. بل ان الشعب نفسه منشغل بتكفير بعضه، ويندر ان اثار المتظاهرون ملاحظات الاعوام السابقة، مثل احتجاجات الحاج شيال على الكهرباء، او اعتراضات البصاروة على عدم امتلاكهم محطة تحلية مياه البحر التي غمرت شط العرب. حتى قضايا كبيرة مثل ميناء مبارك الكويتي، نسيناها بعد ان كنا نقول قبل ثلاثة اعوام: ان هذا الميناء سيخنق ساحلنا الضيق قرب ام قصر، نتيجة قصور في مفاوضاتنا مع الاشقاء الكويتيين وتفوقهم علينا في تفاهمات اقليمية ودولية وتجارية وقانونية. من يأبه الان لضياع بحرنا الصغير بعد ضياع برارينا الواسعة، وتحول ملايين الاهالي الى نازحين في الخيام، يركبنا عار التفرج العاجز على مأساتهم؟
حتى رئيس الحكومة حيدر العبادي، كان يذهب الى الامم المتحدة والمؤتمرات الدولية فخورا بكل امال الاصلاحات وشعاراته، لكنه هذه المرة كان يتحدث في باريس بغصة واضحة، وتقريبا لم يجد اي شيء متماسك يلتزم به امام الدنيا، كما ان الدنيا لم تقدم له وعدا واضحا. كل ما قاله للعالم: ان التحالف الدولي مقصر معنا. وكل ما سمعه من العالم: انتم ايها العراقيون متباطئون في فعل ما يلزم للتصالح السياسي!
انه عام مع داعش اذن، مات خلاله بشجاعة، الاف الشباب العراقيين، لكنه مقياس مؤلم للزمان السياسي، فقد كنت شخصيا اكثر تفاؤلا قبل سنة، وها انا اكثر تشاؤما اليوم. ليس بسبب اننا كعراقيين لم نبذل الجهد الكافي لمقارعة داعش، ولكن لان عجز القيادات العليا عن اتخاذ قرارات كبيرة، يبدو واضحا ايما وضوح، فهذه القرارات المحلية تشابكت مع مسار دولي رهيب، اخشى ان نصبح فيه شبه متفرجين مسلوبي الحق في اتخاذ القرار نصف الصائب.
الى اي حد لدينا الحق في ان نتشاءم، اذا كان هذا الشعور يدعونا لليأس ومزيد من الخسارة والاستسلام؟ ان واحدة من اساليب تخفيف التشاؤم، هو مراجعة اسباب تفاؤلنا الخجول في الخريف الماضي، والذي بات عرضة للنسيان مع تباشير قساوة الصيف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. د عادل على

    هر كوبلز كان وزير الاعلام في الدوله النازيه التي كان يتراسها ادولف هتلر التكريتى-----هر كوبلز كانت عنده طريقه خاصه في الكدب والضحك على دقون العباد المساكين-------انا جعلت كوبلز تكريتيا لانه كان يكدب بدون توقف مثل صدام الكوبلزى-----كوبلز كان يقول اكدب ثم ا

  2. ابو اثير

    الحل يا أخ سرمد يكمن فينا نحن العراقيين المثقفون والواعون والناس والجماهير التي تتفرج على المشهد السياسي اليومي من وراء السياج أو الستارة وصار لنا 12 سنة مكتفين بالمشاهدة والنظر وأبداء التعلبقات دون عمل وحركة أو ردة فعل أزاء ما يحصل من أنتهاكات وفشل سياسي

  3. ابو سجاد

    ياستاذ سرمد في العام الماضي في تعليق لي كتبت لك لاتكن متفائلا لهذا الحد لان هؤلاء ليس اهلها وليس زعماء بل هم لقطاء شوارع اوربا واسيا وهذا هو تاريخ العراق الذي خبرته اكثر مني انه ملعون وناسه مزدوجي الشخصيه ويقولون مالايفعلون اذا تحدث العراقي كذب واذا وعد ا

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram