العمل السياسي السري كان يفرض على الاحزاب العاملة في الساحة العراقية اصدار بيانات لتوضيح مواقفها تجاه القضايا والمستجدات المحلية والاقليمية والدولية ، توزع بسرية تامة لتصل الى اكبر عدد ممكن ، للتعرف على موقف التنظم السياسي ، البيانات كانت تطبع على ورق اسمر بطريقة الرونيو ، تحمل شعار الحزب وتوقيعه ، تسمى مناشير ، منشورات . وتخضع عملية التوزيع لاشراف مختصين قادرين على خوض المغامرة ، بشتى الطرق والوسائل لتجنب الوقوع بيد السلطة ، يحرص التنظيم السياسي على ان يكون صوته حاضرا في اماكن التجمعات وحتى في الدوائر الرسمية ، وما ان يحصل الشخص على المنشور حتى يدسه في جيب سرواله الخلفي ، منتظرا الفرصة المناسبة للاطلاع على مضمونه .
المنتمون للحزب يحصلون على جريدة الحزب السرية عن طريق مسؤوليهم ، يقتصر تداولها بين الاعضاء ، ولايجوز اظهارها او الحديث عن مضامينها الا داخل الاجتماع الحزبي ، حين تكون الجريدة بنسخ قليلة ، فيقوم احد الرفاق بقراءة الافتتاحية ومناقشتها . في زمن العمل السري لاغلب التنظيمات لم تتوصل التكنولوجيا الحديثة الى صناعة اجهزة الاستنساخ ، فدخلت الكتابة باستخدام الكاربون وقلم القوبيا ضمن العمل الحزبي ، لنشر افكار وعقيدة التنظيم السياسي بين الجماهير ، وفي كل الاحوال حين يحصل اي شخص على منشور حزبي سواء كان عضو او صديقا او مؤيدا ، يكون ملزما بالحفاظ على المنشور او الجريدة السرية لتفادي العواقب الوخيمة ، ومن الاساليب الشائعة لتضليل رجال الامن وقتذاك وضع الجريدة تحت الجراوية او الطربوش وبين طيات الملابس .
الجيل الجديد من العراقيين باستثناءات قليلة جدا اطلع على الجرائد السرية والمنشورات بنطاق محدود ، لان اكثر التنظيمات السياسية ونتيجة هيمنة الحزب الحاكم على السلطة ، غادرت الساحة ، وفضلت العمل في دول الجوار او في عواصم اوروبية ، منها من حصل على التمويل المالي فواصل اصدار مطبوعاته بالالوان ، اما الحزب المصاب بالافلاس المزمن المعتمد على اشتراكات الرفاق وتبرعات الاصدقاء فظلت مطبوعاته بالاسود والابيض وبحروف صغيرة جدا ، وكأنه لايريد مغادرة تداول جريدة الجيب ماركة العمل السياسي السري .
عادت الاحزاب الى موطنها الاصلي بعد الغزو الاميركي للعراق ، فتوفرت فرصة العمل السياسي لجميع التنظيمات ، فصدرت عشرات الصحف بالالوان ، بصفحات متعددة ، لكن عدد القراء انحسر بشكل ملحوظ ، جريدة الحزب الفلاني لاتطبع اكثر من الفي نسخة في اليوم الواحد ، تراجع التوزيع ، فحرم قراء المحافظات من الاطلاع على الصحف اليومية ، جمعة القريشي صاحب مكتبة في شارع السعدون ، يعزو الاسباب الى عوامل امنية وعدم وجود جهة متخصصة تأخذ على عاتقها ايصال المطبوعات الى زاخو شمالا والفاو جنوبا ، بوصفهما ابعد مدينتين على الخريطة العراقية .
على الرغم من وجود مواقع الالكترونية للصحف تبقى الحاجة الى الجريدة الورقية ضرورية ، يوفرها رجال البورصة في باب المعظم فيما عجز الحزب ذو القاعدة الشعبية الواسعة عن ايصال نسخة واحدة الى احد اعضائه ، من يرغب في الاطلاع مراجعة "جمعة ابو الجرايد" للحصول على مئات النسخ من الجرائد الحزبية .
جريدة جيب
[post-views]
نشر في: 7 يونيو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
محمد توفيق
لم أفهم مايرمي اليه الكاتب من مقارنة دور صحف ومناشير العمل السري بصحف اليوم ، فمخاطر العمل الطباعي السري لمن يعرفها كانت تحمل مخاطر الإعتقال والتعذيب ونقرة السلمان التي كانت في الإنتظار، لكن روح التحدي لدى شباب العمل السري كانت أقوى من تلك المخاطر. قد لاي
ابو اثير
مع ألأسف فقد الحزب الذي كنت بصدد التنويه عنه بمناصيريه ومحبيه ومؤيديه وكذلك مناضليه بعد أن وضعت قياداته الحزبية يدها بيد مجموعة من ألأحزاب والكتل ألأسلاموية الطائفية الحقودة على الشعب العراقي الذي رفض العيش في الغربة وعلى موائد الدول المجاورة وظل يقارع ال