خاض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الإسلامي (العدالة والتنمية) الانتخابات البرلمانية الأخيرة (جرت الأحد الماضي) تحت شعار "تركيا الجديدة"، والنتيجة التي خرجت بها الانتخابات ستسفر عن تركيا جديدة حقاً ولكن بصيغة مقلوبة عمّا أراده أردوغان وحزبه.
تركيا بعد اليوم لن تشبه تركيا القائمة منذ العام 1923، لكنّها لن تكون على طلاق بائن معها، وبهذا لن تشبه أيضاً تركيا التي أرادها أردوغان، فالناخبون الأتراك أودعوا في صناديق الاقتراع هذه المرة ثلاث رسائل بليغة في لغتها ومغزاها.
الرسالة الأولى أن لا مجال في تركيا بعد اليوم لأي دكتاتورية، سواء كانت عسكرية من النوع الذي شهدته تركيا بعد انقلابات 1960 و1971 و1980، أو مدنية من النوع الذي تهالك في السعي إليه الرئيس أردوغان وحزبه. الرسالة الثانية أن لا مجال أيضاً لإحلال نظام الحكم الإسلامي محل النظام العلماني القائم منذ أكثر من 90 سنة. أما الرسالة الثالثة فإنها تنطوي على إعتراف قوي بالدور الكردي في الحياة السياسية، ولا مجال لنكران هذا الدور أو السعي لتقزيمه بعد اليوم.
ثمن هذه الرسائل باهظ للغاية بالنسبة لأردوغان وحزبه الذي تراجعت نسبة تمثيله في البرلمان التركي كثيراً دون الخمسين بالمئة مما لا يسمح له بتشكيل حكومة بمفرده، والأمل ضعيف أو غير وارد بتشكيل حكومة إئتلافية مع غيره في ظل رفض الأحزاب الأخرى الفائزة في هذه الانتخابات، وهي جميعاً علمانية، التحالف مع الحزب الإسلامي. والأهم من تشكيل الحكومة ان نتيجة الانتخابات قد بددت تماماً حلم الحياة الذي كرّس أردوغان لتحقيقه كل طاقته وبراعته وحيلته وذكائه، وهو الفوز بالأكثرية المريحة من مقاعد البرلمان اللازمة لتعديل الدستور وتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.
منذ أن كان رئيساً للوزراء بدأ أردوغان بتهيئة المسرح لأن يتولى هو رئاسة الجمهورية ولكن بصيغة جديدة ترتبط بتعديل الدستور ومنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة، أو طاغية على سلطة الحكومة ورئاستها. ولأجل هذا ضرب أردوغان العرف السائد بأن يلتزم الرئيس، ولو شكلياً، موقف الحياد أثناء الانتخابات البرلمانية، بوصفه رئيس البلاد كلها والمواطنين جميعهم، لكن أردوغان تحوّل الى بلدوزر خلال الحملة الانتخابية الأخيرة طامعاً في أن يكتسح مرشحو حزبه مبنى البرلمان ويحتلوا 400 مقعد في الأقل، وهو العدد اللازم لتعديل الدستور واعتماد النظام الرئاسي الذي أراد أردوغان ان يجري في ظله تتويجه سلطاناً لـ "تركيا الجديدة" يحكمها من قصر"أك سراي" الإمبراطوري الجديد الذي انتقل إليه منذ بضعة أشهر فقط.
ما حطّم أحلام أردوغان، على هذا الصعيد وعلى صعيد ترسيخ النظام الإسلامي في تركيا، هو الاختراق المتمثل في فوز حزب يُنظر إليه بوصفه ممثل الكرد في السلطة التشريعية "حزب الشعوب الديمقراطي" بأكثر من 10 بالمئة من مقاعد البرلمان، فهي المرة الأولى في تاريخ تركيا التي يخوض فيها الكرد الانتخابات وهم في حزب يجمعهم بعدما ظلّوا يلوذون بالأحزاب الأخرى (التركية).. هذا الاختراق من جهة يثبّت الحركة الكردية من الآن فصاعداً رقماً صعباً في الحياة السياسية، ومن جهة أخرى يهشّم الأساس الذي وضعه أردوغان وحزبه لمغادرة النظام العلماني الى النظام الإسلامي.
تركيا جديدة تولد الآن، لكنّها غير التي عمل لها الحالم بالسلطنة، رجب طيب أردوغان.
تركيا جديدة
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
هذه دعوة للعراقيين بألأستفادة من تجربة الشعب التركي حيث نأى ورفض أنتخاب ألأحزاب الدينية ألأسلامية رغم التحسن ألأقتصادي الذي طال الفرد التركي وتحسن معيشته ... لأن الشعب التركي عرف وتعلم اللعبة التي يلعبها سلاطين السلطة وملاليها الجدد كيف يغرون الشعب بألأما