TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مراجعات العام الاول مع داعش

مراجعات العام الاول مع داعش

نشر في: 8 يونيو, 2015: 09:01 م

في المقال السابق فضلت ان ادعو ل"اعتراف جماعي" بمناسبة مرور سنة على انتكاستنا مع داعش في الموصل وباقي المناطق. واعني به اعترافا بالمسارات الخاطئة خلال حكومة الاصلاحات الجديدة. وقد اعتبر القراء ذلك تشاؤما. لكن الغاية من المراجعة هو اجراء جردة حساب للتاكد من النتائج واسبابها، ومن كان لديه قلب "ضعيف" فعليه ان يتهرب من مواجهة الحقيقة، لكن انجاز اي تصحيح لا يمكن ان يتم الا بالاعتراف وتقبل التقييمات النهائية.
ان التخلص من فريق نوري المالكي كان خلاصة اعتراف كبير بالاخطاء ومراجعة عميقة لتلك المرحلة. ولذلك لا يمكن لفريق حيدر العبادي ان ينجح سوى بمواصلة نهج المراجعات الصريحة، التي لا تعني التشاؤم، فالاخير ينتهي بالاستسلام لما حصل، بينما الامم نصف الحية تستجمع قواها في لحظات الكوارث الوطنية، لتخفيف طعم الكارثة. ولازلنا قادرين على تخفيف هذا العلقم الدموي.
وواحدة من شروط تخفيف هذا "العلقم" هو مراقبة التوازن الدقيق بين الشأن العسكري والسياسي، فكلا الدورين مطلوب على ان لا ننهمك في السياسة الى درجة التفريط بالقرارات العسكرية، وايضا بشرط ان لا تأخذنا البنادق بعيدا لتنسينا منطق التسويات والحوارات المعمقة بين المجموعات السياسية. ولحسن الحظ فان بلادنا جربت طوال عقود ان توكل للبنادق مهمة بناء التسويات السياسية، وفي كل مرة كنا نفشل ونخسر بفداحة. والمطلوب اليوم استرجاع تلك الحقب التي تعالت فيها اصوات السيوف وهيمنت لكنها عجزت عن حماية منجزها، وحماية تضحيات الشباب العراقيين. ويفترض ان ذوي الرأي المقررين قد استوعبوا ذلك بعد ان عايشوه، ولن يسمحوا بتكرار ان تفرض البنادق شروطها على ما يتطلبه الحساب الدقيق للمصالح. وهنا يصبح دور السياسة، حماية المنجز العسكري، بينما تصاعد اصوات المتحمسين تجعل الامر يبدو وكان الخيار السياسي قيد يمنع الانتصارات.
ان الفرق بيننا وبين داعش هو ان لدينا مؤسسة للسياسة واخرى للسيف، ولذلك فان الدنيا تمنحنا الشرعية وتسلبها عن داعش. وتخفيف طعم الكارثة يمر من هنا وحسب، وبدون اعادة الاعتبار للمسار السياسي، لن نحظى بشركاء فاعلين في المنطقة والعالم. ويبدو ان الجمود يطغى على السياسة هذه الايام لان التوازن الدقيق بين متطلبات التسوية المتعقلة، ومتطلبات البنادق، قد تعرض لاختلال بنحو او اخر.
ان الاعتراف بوجود جمود سياسي وتاخر المعالجات التي تحمسنا لها مطلع الخريف الماضي، وتحديد علاقة اكثر وضوحا بين السيوف والمهمات السياسية، ستسهل علينا الارتقاء بحوارنا مع الخارج الاقليمي والدولي. فبقدر ما كان الداخل واضحا مع نفسه، بقدر ماكان الخارج مضطرا للتعامل مع عراق اكثر تماسكا واكثر جدية في التحول من دولة فاشلة الى شريك في امن الدنيا وتنميتها وتحدياتها.
ان حواراتنا التي تتلكأ مع العالم، تحتاج مراجعة جدية وسريعة، واللعب على المحاور واستبدال الحلفاء ليس بهذه السهولة التي يفكر بها كثير من الشباب المتحمسين الحاملين للبنادق والذين يتركون اثرا واضحا اليوم على القرار السياسي، وهذا امر لم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام رغم خطورته الشديدة، في مجتمع تنشغل حتى نخبته احيانا، بالتشاتم والتلاعن، وتنسى اننا بحاجة الى تدقيق اسئلتنا وجعلها اكثر تحديدا، كي نحصل على اجابات معقولة، او نبقى تتقاذفنا الامواج على غير هدى، عاجزين عن التقاط الانفاس، وعالقين في "ذبح مقدس" يطبل له الف مجنون وراء الحدود.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram