في المقال السابق فضلت ان ادعو ل"اعتراف جماعي" بمناسبة مرور سنة على انتكاستنا مع داعش في الموصل وباقي المناطق. واعني به اعترافا بالمسارات الخاطئة خلال حكومة الاصلاحات الجديدة. وقد اعتبر القراء ذلك تشاؤما. لكن الغاية من المراجعة هو اجراء جردة حساب للتاكد من النتائج واسبابها، ومن كان لديه قلب "ضعيف" فعليه ان يتهرب من مواجهة الحقيقة، لكن انجاز اي تصحيح لا يمكن ان يتم الا بالاعتراف وتقبل التقييمات النهائية.
ان التخلص من فريق نوري المالكي كان خلاصة اعتراف كبير بالاخطاء ومراجعة عميقة لتلك المرحلة. ولذلك لا يمكن لفريق حيدر العبادي ان ينجح سوى بمواصلة نهج المراجعات الصريحة، التي لا تعني التشاؤم، فالاخير ينتهي بالاستسلام لما حصل، بينما الامم نصف الحية تستجمع قواها في لحظات الكوارث الوطنية، لتخفيف طعم الكارثة. ولازلنا قادرين على تخفيف هذا العلقم الدموي.
وواحدة من شروط تخفيف هذا "العلقم" هو مراقبة التوازن الدقيق بين الشأن العسكري والسياسي، فكلا الدورين مطلوب على ان لا ننهمك في السياسة الى درجة التفريط بالقرارات العسكرية، وايضا بشرط ان لا تأخذنا البنادق بعيدا لتنسينا منطق التسويات والحوارات المعمقة بين المجموعات السياسية. ولحسن الحظ فان بلادنا جربت طوال عقود ان توكل للبنادق مهمة بناء التسويات السياسية، وفي كل مرة كنا نفشل ونخسر بفداحة. والمطلوب اليوم استرجاع تلك الحقب التي تعالت فيها اصوات السيوف وهيمنت لكنها عجزت عن حماية منجزها، وحماية تضحيات الشباب العراقيين. ويفترض ان ذوي الرأي المقررين قد استوعبوا ذلك بعد ان عايشوه، ولن يسمحوا بتكرار ان تفرض البنادق شروطها على ما يتطلبه الحساب الدقيق للمصالح. وهنا يصبح دور السياسة، حماية المنجز العسكري، بينما تصاعد اصوات المتحمسين تجعل الامر يبدو وكان الخيار السياسي قيد يمنع الانتصارات.
ان الفرق بيننا وبين داعش هو ان لدينا مؤسسة للسياسة واخرى للسيف، ولذلك فان الدنيا تمنحنا الشرعية وتسلبها عن داعش. وتخفيف طعم الكارثة يمر من هنا وحسب، وبدون اعادة الاعتبار للمسار السياسي، لن نحظى بشركاء فاعلين في المنطقة والعالم. ويبدو ان الجمود يطغى على السياسة هذه الايام لان التوازن الدقيق بين متطلبات التسوية المتعقلة، ومتطلبات البنادق، قد تعرض لاختلال بنحو او اخر.
ان الاعتراف بوجود جمود سياسي وتاخر المعالجات التي تحمسنا لها مطلع الخريف الماضي، وتحديد علاقة اكثر وضوحا بين السيوف والمهمات السياسية، ستسهل علينا الارتقاء بحوارنا مع الخارج الاقليمي والدولي. فبقدر ما كان الداخل واضحا مع نفسه، بقدر ماكان الخارج مضطرا للتعامل مع عراق اكثر تماسكا واكثر جدية في التحول من دولة فاشلة الى شريك في امن الدنيا وتنميتها وتحدياتها.
ان حواراتنا التي تتلكأ مع العالم، تحتاج مراجعة جدية وسريعة، واللعب على المحاور واستبدال الحلفاء ليس بهذه السهولة التي يفكر بها كثير من الشباب المتحمسين الحاملين للبنادق والذين يتركون اثرا واضحا اليوم على القرار السياسي، وهذا امر لم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام رغم خطورته الشديدة، في مجتمع تنشغل حتى نخبته احيانا، بالتشاتم والتلاعن، وتنسى اننا بحاجة الى تدقيق اسئلتنا وجعلها اكثر تحديدا، كي نحصل على اجابات معقولة، او نبقى تتقاذفنا الامواج على غير هدى، عاجزين عن التقاط الانفاس، وعالقين في "ذبح مقدس" يطبل له الف مجنون وراء الحدود.
مراجعات العام الاول مع داعش
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2015: 09:01 م