TOP

جريدة المدى > سينما > العلاقة بين المرأة والرجل في الدراما.. والنموذج العصري

العلاقة بين المرأة والرجل في الدراما.. والنموذج العصري

نشر في: 11 يونيو, 2015: 12:01 ص

تناولت الدراما العربية ومنذ بداياتها العلاقة بين المرأة والرجل وسلطت الاضواء على جوانب مختلفة من تلك العلاقة الجدلية، لكنها لم تتجرأ ـ الا نادرا ـ على تجاوز القوالب السائدة، فظلت صورة المرأة تدور في الحلقة التي حددها الرجل ( المجتمع ) حتى صار من الصع

حميدة العربي

تناولت الدراما العربية ومنذ بداياتها العلاقة بين المرأة والرجل وسلطت الاضواء على جوانب مختلفة من تلك العلاقة الجدلية، لكنها لم تتجرأ ـ الا نادرا ـ على تجاوز القوالب السائدة، فظلت صورة المرأة تدور في الحلقة التي حددها الرجل ( المجتمع ) حتى صار من الصعب كسرها او التجاوز عليها. ولذا لم تستطع الدراما، بكل ثقلها ودورها وسعة انتشارها ان تغير من نظرة المجتمع للمرأة الا بنسبة محدودة جدا، خاصة في سنوات العصر الذهبي للسينما العربية، فكانت صورة المرأة في الفترة الرومانسية من عمر السينما، خارج اطار الواقع، بينما ظلت شخصية الرجل كما هي.. بعقليتها الذكورية وصفاتها المحلية، ما شكل تناقضا مقبولا لدى الجمهور آنذاك.. فهو يريد امرأة جميلة رقيقة، عصرية.. امامها رجل متحفظ متزمت يقف لها بالمرصاد.
وهذا ما اضفى على العلاقة، الدرامية، بعدا انطباعيا اكثر منه واقعيا.. وبعده ظلت الدراما تتناول العلاقة بين المرأة والرجل بنفس العقلية وذات الاسلوب حتى طغت الواقعية البحتة على السينما في السبعينات وما يسمى بسينما المقاولات.. وهنا اخذت العلاقة بين المرأة والرجل، في الدراما، شكلها الواقعي الصرف، ولم تقدم اعمالا تتناول تلك العلاقة بشكل مباشر الا في مطلع الثمانينات حين قدمت الفنانة سعاد حسني مع الفنان احمد زكي مسلسلا بعنوان ( هي وهو ) تصدى لتلك المنافسة المحتدمة ـ ازليا ـ بين المرأة والرجل.. كل يحاول اثبات اهميته وافضليته على الآخر.. هو يتباهى بالقوة والعظمة، وهي بالذكاء والجمال.. وكانت ابرز حلقاته تلك التي تناولت التفرقة بين الولد والبنت داخل البيت والمجتمع. وفازت وقتها بجائزة الدراما العربية.
ولأن الدراما العربية نشأت في بيئة محافظة ( ذكورية ) تعامل المرأة كتابع وليس كشريك ( له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات ) وغالبا ما يتم التركيز فيها على المعاناة الفردية ضمن الواقع الاجتماعي دون طرح افكار وتوجهات حداثية معينة بإمكانها ان تغير من سلوكيات او عقليات جماعية.. ولم تكن هناك محاولات جادة في الدراما لتطوير طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل ـ من التبعية الى الندية ـ ولم تقدم نماذج مؤثرة وفاعلة تكون قدوة للشباب المعاصر تحرضهم كي يعيشوا زمنهم بكل متغيراته وظروفه الآنية ومتطلباته العصرية، يتأثرون به ويؤثرون عليه.
والدراما العراقية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها العربية في تناولها للعلاقة بين المرأة والرجل غير انها اكثر واقعية والتزاما بالقوالب الاجتماعية السائدة.. فالمرأة تتحرك وتفكر بمشيئة الرجل وارادته وليس بمشيئتها وارادتها هي.. ويفرض عليها افكاره ورغباته وما يناسبه ويمنحها الكاتب ( الرجل ) الصفات والملامح المستمدة من المجتمع الذكوري.. فتظهر المرأة بالصورة التي يريدها الرجل، صورة الدمية او التابع.. وليست الصورة، العصرية، التي يجب ان تكون عليها.. وان جاءت مغايرة لارادة الرجل ( الذكر ).
ولأن اغلب الكتاب رجال وهم نتاج المجتمع الذكوري بكل صفاته السلطوية والقمعية ونظرته الدونية للمرأة. لا يجرؤون على منح المرأة صورة جديدة مختلفة عما هو متوارث، وبنفس الوقت يسايرون المجتمع وينزلون الى مستوى البسطاء منه في تكوين شخصية المرأة و الرجل، دراميا، رغم محاولات البعض منهم تقديم شخصيات نسائية قيادية ولها دور البطولة الا انهم يقدمونها بصورة مبالغ فيها فتأتي مفتعلة، خارج اطار المنطق.. او يقدمونها بطريقة الالتفاف والمراوغة فتكون البطلة اما كبيرة في السن او ريفية ذات صفات رجولية.. وغالبا ما يحاصرها، الكاتب، بالقيود الاجتماعية فتعصى عليها الحلول وترتكب اخطاء تدفعها في النهاية الى الاستسلام والعودة الى جادة الرجل. وصورة المرأة في الدراما ـ عامة ـ تتراوح بين.. دمية جميلة، ضعيفة الشخصية، بلا اهداف او طموحات، تطرح نفسها بطريقة استفزازية في الشكل والسلوك.. تبحث عن رجل ترتبط به كي تتفادى التهم الاجتماعية الجاهزة ضدها.. او متهورة مندفعة لا مبالية، تسقط الرجال في حبائلها او تخطفهم من نسائهم، تقابلها زوجة متسلطة، نكدية، تثير المشاكل لاعطاء الرجل الذريعة كي يخون او يتزوج ثانية.
اما الرجل ( الزوج ) فتقدمه لنا الدراما، غالبا، بالنموذج التقليدي، وهو ـ مع المرأة ـ المهيمن المسيطر، الاناني والمغرور.. الخشن والفظ، المصر على التدخل في كل شيء، المفسد للحظات الجميلة دائما. وفي حين تفتقد الدراما للنموذج العصري الذي يتبنى المبادئ الاجتماعية والانسانية الحداثية والتي تشكل اساس العلاقة الزوجية ( العصرية ).. تحتاج ايضا الى افكار وتوجهات فكرية وانسانية متحضرة.. يتبناها الكتاب والمخرجون والنقاد المؤمنون بها للعبور بالمجتمع الى واقع جديد مثل..
ـ اللجوء الى القانون بدل الاعراف العشائرية والقبلية والخروج من عباءة التقاليد البالية سواء في معاملة المرأة او التعامل بين الزوجين.. ومن خلال ذلك يمكن التعريف باساليب الحياة الاجتماعية في كل مرحلة ومكان، ونقدها.
ـ التخلص من العادات القبلية الجائرة مثل الثأر والنهوة والفصلية وغيرها، لفرض واقع جديد يقتنع به الجمهور تدريجيا ويتقبله في النهاية اعتمادا على قوة الطرح الدرامي وكثافة الجهود لترسيخ ذلك الجديد.
ـ رفض العنف ضد المرأة بكل اشكاله، البدنية والنفسية، ومحاربته باعتباره مخالفة قانونية تستوجب العقوبة الرادعة.
ـ تغيير النظرة الى المرأة بتبني اساليب تعامل مدنية ومفاهيم حضارية، ضمن العمل الدرامي، يتعلمهاالطفل الصغير قبل الكبير، اهمها:
ـ مبدأ المشاركة في كل شيء تقريبا.. حيث يكون التعامل على اساس الشراكة ( الندية ) وليس التبعية، فالزوج يشارك زوجته في اهتماماتها واعمالها، ويشركها معه في اهتماماته وقراراته البسيطة والمصيرية، بعكس ما هو معروف حيث يقرر الرجل دون استشارة المرأة وهي تنفذ دون سؤال او نقاش .
ـ الاحترام المتبادل بين الازواج.. وعدم الاستهزاء بالآخر او التقليل من شأنه ورأيه او خياراته.
ـ تبني اسلوب التحاور والاصغاء للآخر، وطرح الامور بصيغة الاقتراح وليس الاوامر.. وحتى عند الغضب والزعل يستمر الحوار والنقاش لحين التوصل الى نتيجة ترضي الطرفين.
ـ اعتماد مبدأ التجاوز ( على ما مضى ) واعادة المياه الى مجاريها.. فور الانتهاء من المشكلة او الاشكال.
ـ اما النقطة البالغة الاهمية، والتي تشكل مفصل حساس في العلاقة الزوجية ـ خصوصا للمرأة العاملة ـ فهو تشجيع الرجل لزوجته في عملها او موهبتها واعترافه بحقها في تحقيق طموحاتها وذاتها.. فهناك نسبة كبيرة من المشاكل وحالات الانفصال يكون سببها رفض الرجل لعمل المرأة وتفرده بالحقوق.. فهل ظهرت شخصية الرجل، في اعمالنا الدرامية بهذه الصفات المتحضرة؟ وهل تجرأت الدراما ـ العراقية ـ على تحسين صورة الرجل، والمرأة، باتجاه عصرنة الافكار والسلوك والمواقف كما فعلت الدراما التركية وبعض الاعمال العربية ـ الحالية ـ التي غيرت اسلوب التعامل بينهما.. في تحدٍ للواقع ومحاولة لتغييره؟.. فالرجل التركي مثلا ليس بتلك الصورة المثالية التي تقدمها الدراما، الا ان الدراما منحته صورة جديدة محسنة، تتماشى وتتوافق مع متطلبات العصر ومتغيرات الذائقة العامة، خصوصا بعد ان اتسعت رقعة توزيع الاعمال التركية حول العالم.. وذلك هو الذكاء الفني والتجاري.. وتلك هي الجرأة..
والجرأة، هنا، ليست في احداث تغييرات في سياق القصة الدرامية وحسب وانما الجرأة بأن يكون الكاتب، او المخرج، اول من يبادر بالتغيير والاختلاف ويكون اهلا لتحمل مسؤولية ما يفعل.. وذلك هو التحدي!.. فالدراما العراقية ـ مثلا ـ تتجرأ على تقديم اكثر المواقف والمشاهد عنفا ودموية وبأبشع التنفيذ، ولا تتجرأ على تقديم مشهد لرجل يحتضن زوجته بمودة، او يساعدها في اعمال البيت ـ بجدية وليس باسلوب كوميدي ـ وقد يقول البعض ان هكذا مشاهد غير مهمة، وغير موجودة في ثقافتنا الاجتماعية.. لكننا ـ هنا ـ بصدد فن الدراما، والمفروض ان الدراما لا تقدم الواقع كما هو، بل تقدمه بطريقة فنية، فيها شيء من الغرابة والابتكار والمفاجأة والتشويق، وهو ما يكشف عقلية القائمين على الدراما ويؤكد جرأتهم من عدمها في طرح الجديد والمختلف.. وهذا ما تفعله بعض الدراما العربية والتركية، التي تعمل لكسب مشاهديها المعاصرين وتسعى لتغيير الصورة النمطية للعلاقة بين المرأة والرجل وبالتالي احداث تغيير في عقلية المشاهدين ( المجتمع ). ان مهمة تغيير المجتمع حضاريا تقع على عاتق المثقفين عموما، وكتاب الدراما والمخرجين لديهم فرصة اكبر، لان اعمالهم تصل الى غالبية الناس وبطريقة اسهل واسرع من غيرهم.. مثلا، لو تتفق مجموعة من كتاب الدراما العراقية على توجه واحد، بانتاج اعمال فنية بأجواء عصرية، خارج المألوف، يظهر فيها الرجل والمرأة ـ دائما ـ بصفات متحضرة، مثقفة، ايجابية. ويواجهان الرفض من العقول المغلقة ـ لخلق صراع درامي ـ ويجعلون الحداثة والفكر الانساني المعاصر ينتصران في النهاية.. وبذلك يسحبون المجتمع لتوجهاتهم ويفرضوا عليه ثقافتهم، وليس العكس. فاذا لم ينتهز القائمون على الدراما تلك الفرصة التاريخية ـ التي هيأتها لهم التكنولوجيا ـ ويبادروا برسم صورة جديدة للمجتمع ويعملوا، بجدية، على تنفيذها باساليب متطورة.. ستبقى الدراما تراوح في مكانها بين ظلال الماضي وعتمة الحاضر ضمن دائرة واحدة مغلقة لا تطور ولا تغير. وتبقى العلاقة بين المرأة والرجل في الدراما، كما هي في الواقع، محكومة بالقوالب الذكورية المتصلبة.. ما يسبب عزوف المشاهد عن متابعتها لصالح الاعمال العربية والاجنبية التي تقدم له كل ما هو حديث ومبتكر ومشوق.. ويتحمل المثقفون من كتاب الدراما والمخرجين، مسؤولية ضياع الفرصة الثمينة في تغيير صورة الدراما والمجتمع معا!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Amna

    موضوع مهم وتناولته بموضوعيه وفعلا نحن بحاجه الى فن يقود المجتمع نحو افق افضل لا مجتمع يحدد الفن ويكون مجرد انعكاس لتخلفه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (الوحشي) للمخرج برادي كوربيت والبحث عن الحلم الأمريكي

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

"اللودج" يختارمشاريع ضمن النُسخة السادسة من برنامجه

مقالات ذات صلة

لـ
سينما

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

متابعة المدى عاش طاقم فيلم "Anora" ليلة لا تنسى، في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 97، الأحد، حيث فاز الفيلم بـ 5 جوائز، بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل ممثلة للنجمة مايكي ماديسون. وحصد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram