TOP

جريدة المدى > عام > هل كان إيفان الرهيب رهيبا؟

هل كان إيفان الرهيب رهيبا؟

نشر في: 13 يونيو, 2015: 12:01 ص

إيفان الرابع هو أول قيصر روسي في تاريخ روسيا ،الذي اصبح أمير موسكو العظيم عندما كان عمره ثلاث سنوات فقط ، ثم قيصرموسكو وعموم روسيا عندما بلغ ست عشرة سنة من عمره ، واستمر يحكم روسيا الى نهاية حياته وهو يقاتل ويناضل بعناد من اجل توسيع حدودها ، والقضاء

إيفان الرابع هو أول قيصر روسي في تاريخ روسيا ،الذي اصبح أمير موسكو العظيم عندما كان عمره ثلاث سنوات فقط ، ثم قيصرموسكو وعموم روسيا عندما بلغ ست عشرة سنة من عمره ، واستمر يحكم روسيا الى نهاية حياته وهو يقاتل ويناضل بعناد من اجل توسيع حدودها ، والقضاء على الاعداء الذين كانوا يتربصون بها، و لا يريدون لها ان تتحول الى دولة واسعة و كبرى ذات تأثير مهم وكبير في مسيرة الاحداث التاريخية ، وهو الذي ضمٌ سيبيريا الى روسيا ، وهو الذي انتصر على التتار في عقر دارهم ـ

 

وهو الذي وضع القوانين و التعليمات و الإصلاحات لدولته، و هو الذي جعل من موسكو عاصمة لامبراطورية جديدة ...الخ من الاعمال الجليلة الاخرى . كل ذلك جرى في القرن السادس عشر ، مابين عام 1530 (سنة ميلاده ) وعام 1584 ( سنة وفاته)، اي انه كان على رأس السلطة الروسية – بشكل أو بآخر - حوالي نصف قرن تقريبا في ذلك الزمن المعقد والصعب والمتشابك والمكفهر، عندما كانت الاحداث تتبلور وتتفاعل وتتصارع وتتطلب – في كل مكان من عالمنا - موقفا حازما وصارما وحاسما، وعندما بدأت الامبراطورية الروسية خطواتها الاولى في مسيرتها اللاحقة الطويلة .
لا تهدف هذه المقالة الى الحديث عن أعمال هذا القيصر وإنجازاته الكبيرة في تاريخ الدولة الروسية ووضع اسسها ودوره الهائل بتثبيت أركانها، وإنما نريد ان نتناول هنا مسألة اخرى تماما وهي الكنية التي ارتبطت باسم هذا القيصر وهي – ( الرهيب ) ،وهل هي ترجمة صحيحة فعلا لكنيته باللغة الروسية ، ولهذا وضعنا لها هذا العنوان وهو– ( هل كان القيصر الروسي إيفان الرهيب رهيبا فعلا وحقا ؟) , والموضوع هذا – من وجهة نظرنا – يدور قبل كل شيء حول الترجمة ( فنا وعلما ) عن اللغة الروسية الى اللغات الاخرى ، وكيف يمكن للترجمة - بعض الاحيان- ان تؤدي أدوارا غير دقيقة ـ بل وحتى تكاد ان تكون غير صحيحة في مسيرة الاحداث وتسجيلها عبر التاريخ الانساني .
الكلمة الروسية لكنية هذا القيصر الروسي هي - ( إيفان غروزني ) او (جروزني حسب اللفظ المصري لحرف الجيم ) ، وتمتلك هذه الكلمة الروسية العديد من المعاني المختلفة عند ترجمتها الى اللغات الاخرى . أساس الكلمة هو مفردة ( غروزا) او ( جروزا ) ومعناها الاولي والمباشر هو - الزوبعة الرعدية ـ اي التي ترافقها الرعود والبرق والامطار، ومنها انبثقت المعاني الاخرى من هول وخوف وهلع ...الخ , والصفة من هذه الكلمة هي – ( غروزني ) او (جروزني ) التي اطلقها الروس على هذا القيصر , ومعناها بالعربية هو كما يأتي – الشديد / او الصارم / او المرعد / او الحازم بقوة / او شديد البأس / او الهصور ( كما الأسد ) / او القوي المخيف / او الخطير / او المتجهم / او الرهيب ( بمعنى الشدة والحزم ) / او كما يقول المثل الشهير باللهجة العراقية – ( كلمته متصير اثنين ) ...الخ هذه المعاني المتنوعة والقريبة من بعض من حيث المعنى العام , ولكن – مع ذلك - فان كل صفة من تلك الصفات تمتلك ظلالها الخاصة بها طبعا , ولو أراد الروس ان يطلقوا على هذا القيصر لقب ( الرهيب ) كما نقول ونعلن نحن الآن , لما سموه ( غروزني ) , اذ توجد عندهم كلمة اخرى هي ( الرهيب ) بشكل مباشر ودقيق طبعا كما في اللغات الاخرى ، وأذكر مرة ان أحد الطلبة العرب ترجم من اللغة العربية الى اللغة الروسية اسم هذا القيصر حسب الترجمة الحرفية للكلمة , فضحك الروس الذين كانوا يستمعون لنا وقهقهوا وقاموا بتصليح الترجمة الحرفية تلك , وقالوا له ان هذا القيصر ليس ( رهيبا ) , وانما هو ( غروزني ) اي ( صارما او حازما او شديد البأس ... ) كما مرٌ ذكره أعلاه .
لا نستطيع ان نحدد في الوقت الحاضر من هو المترجم الاجنبي الذي اطلق على هذا القيصر صفة ( الرهيب ) لاول مرة وبأي لغة ، ولكن على الارجح هو واحد من المترجمين الاوروبيين الذين كانوا قريبين من مسيرة روسيا وتاريخها آنذاك من فرنسا مثلا او انكلترا او ألمانيا او السويد ...الخ , ومن المؤكد ان هذه التسمية وصلت الى اللغة العربية عن طريق واحدة من تلك اللغات الثانية ليس إلا , او ربما – والله أعلم - عن طريق لغة ثالثة اخرى , اذ ان العرب كانوا بعيدين جدا عن روسيا وما يجري فيها من احداث في تلك القرون .
من الطريف ان نشير هنا , الى ان هذه التسمية ارتبطت ايضا مع حادثة معروفة في تاريخ روسيا والعالم ايضا ( ومازالت تروى لحد الآن ) وهي ان القيصر إيفان الرابع هذا قد قتل ابنه بيده ـ و بالتالي فان هذه الحادثة تؤكد انه كان ( رهيبا ) فعلا ، و قد كتب عن هذه الحادثة حتى المؤرخ والكاتب الروسي كارامزين في كتابه (الذي يقع في 12 مجلدا) بعنوان – تاريخ الدولة الروسية , الذي صدر في بداية القرن التاسع عشر , بل إن هناك رساما روسيا شهيرا اسمه ريبين قد رسم لوحة زيتية كبيرة في القرن التاسع عشر تبين كيف ان ايفان الرابع هذا قتل ابنه بيده , ثم احتضنه والدم يتدفق منه , وهو ( اي القيصرنفسه ) مرتعب من فعلته هذه وعيناه جاحظتان , ومازالت هذه اللوحة موجودة في المتحف الروسي , وكيف ان أحد المشاهدين قد طعنها مرة بسكين عندما شاهدها وتأٌثر بها لدرجة انه أراد ان ينتقم من ايفان غروزني فطعنه بسكين ( شاهدت هذه اللوحة شخصيا عام 1960 واستمعت الى حكاية طعن احد المشاهدين لايفان الرابع بالسكين تأثرا وانتقاما ) . لقد تبين الآن - عن طريق المناقشات الواسعة في اوساط المؤرخين الروس - ان ايفان غروزني لم يقتل ابنه كما تروي الحكاية هذه , وان كل هذه الحكاية غير دقيقة ولا توجد حولها وثائق محددة رغم محاولات المختصين البحث عنها , ولهذا يرى البعض انها يمكن ان تكون ملفقة من قبل اعداء هذا القيصر, وما أكثرهم عندها في روسيا , هؤلاء الذين وقف ايفان غروزني –بقوة - ضد مصالحهم الطبقية وأوقف - بل وألغى - حدود سلطتهم المطلقة على رقاب الناس البسطاء , وانعكس هذا التلفيق في ما بعد حتى على القياصرة الذين أتوا بعده , وهم من سلالة اخرى غير سلالته ( لقبها- رومانوف ), وان هؤلاء القياصرة من آل رومانوف – كما يقال - شجعوا بعض المؤرخين الروس والرساميين كي يكتبوا تلك الحكاية ويبرزوها في الفن التشكيلي ويوسعوا انتشارها لمصلحة سلالتهم ليس الا ومناصرتهم في صراعهم ضد سلالة آل ريوريك من اجل الاحتفاظ بالسلطة , ولهذا فاننا لا نجد هذه الحكاية عند مؤرخين روس آخرين أكثر موضوعية وأعمق علما .
هذا موضوع جديد كليا - وبكل معنى الكلمة- في التاريخ الروسي وشعابه , ولم ينته بعد , ويتطلب الغوص في اعماق هذا التاريخ ودهاليزه ( ان صح التعبير ) , والتحليل العلمي والموضوعي الدقيق لمسيرته واحداثه , وكذلك يقتضي دراسة موقف الاتحاد السوفيتي لاحقا بشأنه, وهو موضوع يستحق التأمل والتفكيرمن قبلنا – نحن العرب - بلا شك , اذ ان موقفنا تجاهه ومعرفتنا بتفاصيله يعني اننا نتابع – وبدقة – تاريخ دولة كبيرة ومهمة نتعامل معها منذ عشرات السنين , ونعرف اخبارها واسرارها , وبالتالي نستحق ان ننال احترامها واستجابتها لنا في علاقاتنا المتشعبة والكبيرة معها , والتي نحتاجها من اجل توازن مصالحنا في هذا العصر ( الرهيب ! ) , الذي تمر به شعوبنا العربية كلها .
لنفكر معا من اجل تحديد الكنية الصحيحة لهذا القيصرالروسي , ولنخطط معا من اجل دراسة دقيقة وموضوعية لتاريخ روسيا و بلدان العالم كافة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. حسام شعبان

    صفة الرهيب ليست سيئة، فيكفيك أن تتجنبه لتكون بأمان. أما كلمة غروزني فترجمتها الإرهابي أو المدمر ، اي الذي يهاجم ويبطش بالناس ولا يمكن تجنبه. والسؤال هو بالنسبة لمن كان هذا الرجل إرهابيا أو مدمرا. أعتقد ذلك يرتبط بمملكة مجاورة عاصمتها سان بطرس برغ كان

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram