TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > كريم رسن متلبّساً بلحظة حبّ في فضاء يضيق

كريم رسن متلبّساً بلحظة حبّ في فضاء يضيق

نشر في: 13 يونيو, 2015: 12:01 ص

 يواصل  كريم رسن منذ زمن بعيد تدوين تاريخه الشخصي في الرسم ، تاريخ حضوره في المكان - المدينة ، عبر كل ما تتضمنه لغة الرسم من دوال ورموز وإشارات وعلامات وآثار وشفرات ، وبعض ما تتيحه من وسائط ومواد ، ولطالما عطلت محاولاته التجريبية قدرتي على

 يواصل  كريم رسن منذ زمن بعيد تدوين تاريخه الشخصي في الرسم ، تاريخ حضوره في المكان - المدينة ، عبر كل ما تتضمنه لغة الرسم من دوال ورموز وإشارات وعلامات وآثار وشفرات ، وبعض ما تتيحه من وسائط ومواد ، ولطالما عطلت محاولاته التجريبية قدرتي على الاقتراب ( كقارئ ) من هذه السيرة الغامضة . كما لو انه المدون الخفي لقصة الخراب المتتابع في حياتنا ،  صحيح انه لا يعمل بعيدا عن مغامرات الفن العراقي ، وتحديدا تلك المقترحات (النظرية والشكلية )  التي تصدت لها ريادية شاكر حسن آل سعيد وكشوفاته ، ولكنه ( كريم رسن ) ظل بإصرار نادر يستجيب لقوانينه الخاصة واسئلته الوجودية ،  التي لا تعني احدا سواه ، ففي حفرياته الصبورة على جسد مواده او دفاتره الورقية واوركوديانته الكارتونية ،  كان كريم يترك آثار ذاكرته المشوشة على الزمن ويمضي .

 

لهذا كله ، يصعب الحديث عن آخر تجاربه دون الإشارة الى سياق سيرته الفنية هذا ، بخاصة اذا كانت هذه التجربة ، تبتعد عن مدوناته الرمزية ، لتقترب من لحظة الحياة بكل كثافتها العاطفية والحسية .
في اربعة اعمال ، حبر على الورق ، يكتب كريم رسن او يرسم ، لا كبير فرق هنا لناحية الموضوع ، حكاياته الوجدانية ، كمن يلقي القبض على نفسه في لحظة حب ، مشكلا الدوائر الضيقة على شكل ارضيات مرة ، ومرة اخرى يجعلها على هيئة طاولات صغيرة تزدحم بالإثارة .
وتكثيف لحظة الوجود بهذا الاختزال في الفضاء ، ربما هو اللعبة الجديدة في سيرة هذا الفنان الذي حفر اسمه عميقا على لوحة الفن العراقي ، ليستقر في الذاكرة كواحد من اكثر المغامرين مطاولة في الثلاثين سنة الماضية . 
عندما يطرح الفنان حكايته ، قصته الزمنية ، فانه يورطنا في تلقي المضامين ، يورطنا في التدقيق في الاحداث والتفاصيل بعيدا عن الكيفية التي تشكلت منها هذه الاحداث وتلك التفاصيل . انها فرصته للانفلات من هيمنة تاريخه الفني ، لصياغة عالمه الداخلي بانشراح نفسي ، انها لحظة العودة الى الحياة اليومية بمزاج معتدل ، الهروب من (الرمزية) الى التعبيرية ، حيث بطلها كريم رسن نفسه والمرأة بحضورها الحسي . لكن لسوء الحظ ، فان تلك الحكايات ليست ملقية على مسرح الإثارة الجسدية بشكل صريح ، هناك من الالم ، من الاغتراب ، من الوحشة الوجودية الكثير ، الالم الذي اصبح شقيقا لروح هذا الفنان . تلك التعبيرات في ملامحه ، تلك الانكماشات الروحية الى الداخل ، ذلك التقعر الاضطراري في المكان الضيق ، هذه البقع السود ، بالاضافة الى المرأة الممتنعة ، المنطوية ، اللامبالية ، ما يجعل من الاسترخاء التام امرا متعذرا ، ومن الحب قصة ملتبسة .
لسنا هنا بحاجة الى مغامرة تأويل الحكايات ، ان ذلك يورطنا في نسيان المقترح الشكلي التعبيري ، الذي بداخله ، وبداخله فقط ، تكمن تحولات كريم رسن الجمالية ، بعيدا عن كريم رسن بطل حكاية الحب هذه . 
السؤال الاهم ، هل اننا بصدد قفزة بعيدة عن سيرة جمالية - معرفية دونها الفنان عبر اكثر من ثلاثة عقود ، ام انها مجرد نزوة تجريبية عابرة ، لا ضير بالنسبة لي على الأقل ، سواء واصل الفنان تجربته التعبيرية الجديدة ، ام انه عاد و ركن الى حفرياته القديمة ، الى ولعه بالسطح وشغفه بالخدوش ، فان كريم رسن فنان ينتمي الى نمط اولئك المبدعين ، الذين اختارهم الفن الى جانبه منذ بداياته . 
منذ اكثر من ربع قرن ، اتابع عن قرب (كصديق) ، تجربة هذا الفنان الرؤيوي ، كنت ولم ازل مأخوذا بتطور سيرته الفنية ، بتلك الطاقة التي لا تستنزف وهي تتابع تحولات وطن خصته السماء دون سواه بالجحيم ، أستذكر في هذه اللحظات تلك الاندهاشات التي تأتي بها انفعلات كريم رسن ، الدبابات والاسلحة والحرائق التي تزدحم بها لوحاته ودفاتره ، تلك العذابات والآهات ، التي ادمنتها بغداد التي يعشقها .. دون تعب او شعور بالفتور ، كان هذا الفنان الموهوب بعقله وحسه العاطفي كما لو انه يدون آخر الرقم الرافدينية لكي يترك قصتنا مفتوحة على المستقبل ، مفتوحة على المجهول . 
كريم رسن في حكاياته العاطفية المختزلة ، يقرر الاستراحة على بساط الحبر الاسود والاوراق البيض ، بعيدا عن حرائق المدن وخرائبها المعمرة ، ليكتب يومياته براحة بال لم يألفها ،، لكنه نسي ان يترك بطل هذه اليوميات يعيش دون تشوهات المدن وخرائبها المعمرة ، ان روحه ممسوسة بالذكرى ، بتلك الامكنة التي وفرت له كل ذلك الدخان العتيق ، دخان الحروب التي تدور دوائرها في الوطن البعيد . 
شخصيا ، بعيدا عن اي تقريرية قيمية ، أعد كريم رسن ، شفرة عصية على الفهم المنجز ، طالما ان تجاربه تتحدث عنا تحديدا ، وتغرينا بالتحيز العاطفي معها ، لكنها في واقع الحال ابعد من ذلك بكثير ، ذلك ما يمكن حدسه بقوة دون إمكانية الإعراب عنه بوضوح .
بعض المبدعين هم (ثقافة ) مغلقة وحدها ، أمة من الثقافة تضع خطابها في روح فنان واحد . وهذا التوصيف قد يصح على فنانين آخرين ولكنه مع كريم رسن يصبح ملزما . 
شخصيا ، مرة اخرى ، أعد كريم رسن فنانا استطاع ان يطور حاسة جديدة لرؤية العالم ، حاسة تمنعه من رؤية العالم كما نحسه ، بل ربما العالم في ذاته كما يسميه ايمانويل كانت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram