اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > ريبورتاج: ابو نؤاس.. حامل الهوى البغدادي التَّعب

ريبورتاج: ابو نؤاس.. حامل الهوى البغدادي التَّعب

نشر في: 13 يونيو, 2015: 12:01 ص

هو جالس في مكان جماله، وكأسه مترعة بالحياة والجمال وحكايا بغداد، وليالي شارعه الأثير، هو ذا جالس على منصة دمرت وعمرت ودمرت وعمرت وهكذا. جالس ينظر الى نساء شارعه والحانات يستذكر ادباء بغداد السبيعنات والشعراء الصعاليك، يمزج رائحة السمك المسكوف بعبق مس

هو جالس في مكان جماله، وكأسه مترعة بالحياة والجمال وحكايا بغداد، وليالي شارعه الأثير، هو ذا جالس على منصة دمرت وعمرت ودمرت وعمرت وهكذا. جالس ينظر الى نساء شارعه والحانات يستذكر ادباء بغداد السبيعنات والشعراء الصعاليك، يمزج رائحة السمك المسكوف بعبق مساء بغداد، لا يبالي الا لنهر بغداد الخالد .. دجلة الخير.

ذات مساء كسروا كأسه، لكنها ظلت مترعة بالخمر تسقى الندماء والعاشقين، عادوا مرة اخرى وطالبوا بتهديم النصب، فشلوا، عاودوا ذلك وفشلوا ايضا، طالب غيرهم بتبديل اسمه، وخابوا. حاولوا وحاولوا لكن الخيبة كانت مصير كل محاولاتهم. بدأوا بتهديم بطيء وخفي لمرمر قاعدة التمثال، والغاية من ذلك ليست سرقة المرمر بل حذف بيت الشعر المنقوش عليها ((ألا فاسقني خمراً وقلْ لي هي الخمرُ ولا تسقني سِرّاً إذا أمكنَ الجهرُ)) حتى نجحوا بذلك فها هو تمثال ابي نؤاس عاري القاعدة.
 
زنديق وشعوبي
يقول عنه المعماري المعروف (قحطان المدفعي) في كتابه الذي يحمل عنوان (فكر ابي نؤاس) والصادر عن مجموعة دار الهنا للعمارة -: كأي كتاب او شعر او موضوع فلسفي فإن قراءة ديوان ابي نؤاس تقع في تفسيرات مختلفة حيث ان قصائد هذا الشاعر بالذات تقبل التفاسير العديدة، فالمتمسكون بالاداب والخلق الديني يرونه كافرا في الدين والعقيدة وزنديقا خارجا عن الاسلام، اما المؤرخون العرب فيعتبرونه شعوبيا لانه كان يفضل اهل المدن والحضارة على اهل البادية والبداوة. واذا اخذنا طيف القناعات والتفسيرات في الوطن العربي فإننا نرى ان هذا الشاعر مقبول في بلد عربي وغير مقبول في اخر .
قال عنه الجاحظ "ان شعره يصل للقلب دون استئذان"، كما قال عنه الإمام الشافعي " لولا مجون أبي نواس لأخذت العلم منه"، وقال ابن منظور " كان أبي نواس عالماً بكل فن، وكان الشعر اقل بضاعته."
عالماً وفيلسوفاً
عن تمثال أبي نؤاس وما آل اليه ، يقول الشاعر ماجد الحيدر: هذه العوالم المدهشة بفضاءاتها التي توحي لديمومة الأشياء والأمكنة (شهرزاد وشهريار)، برموزها تقف اليوم وهي حائرة بين اهمال خدمي كبير. تألمت كثيراً حين شاهدت الصور التي نشرت لتمثال أبي نواس الذي ظل ولعشرات السنين رمزا لبغداد، للياليها الجميلة، لحراكها الثقافي والشعري، لمقاهيها التي كانت عنواناً لأجواء الحرية الفكرية النسبية التي تمتعنا بها في السبعينات. مبينا: لم يكن أبو نؤاس شاعراً مجدداً جريئاً طبقت شهرة خمرياته الآفاق، بل كان عالماً لغوياً جليلاً وفيلسوفاً متمكنا من علوم عصره حتى إني قرأت بأنه لا يعرف في شبه الجزيرة الهندية إلا باعتباره عالما وفقيها عكس النظرة التقليدية الساذجة التي تشيع عند بعض انصاف المتعلمين (ومنهم بالطبع الكثير من ولاة الأمور ماضيا وحاضرا)
الحيدر اشارالى تشابه المواقف ضد تمثال ابي نؤاس وشارعه موضحا: في الوقت الذي لم يخفِ فيه غلاة القومجيين والشوفينيين في زمن النظام السابق (وخصوصا في سنوات الحرب العراقية المشؤومة) تحاملهم على هذه القامة العملاقة بل ورغبتهم بإزالة التمثال وتغيير اسم الشارع برمته بدعوى الميول الشعوبية والأصول الفارسية (كذا) نجد العديد من ساسة الصدفة الجهلة المحسوبين على التيارات المتأسلمة يشاطرون سابقيهم هذا الحقد والتحامل ، ولكن هذه المرة بدعاوى دينية جوفاء لا تصمد للنقد والتحليل. خلص الحيدر قائلا: إن هذا الشارع باسمه هذا وبتمثال الشاعر العظيم وكأسه المرفوعة عالياً يمثل شوكة في عيون الظلاميين والمتخلفين لذلك نراهم يحاولون بشتى السبل الإساءة اليه وإهماله وتخريبه والحط من قيمته ومكانته في الذاكرة البغدادية وسرقة مساحاته التي يسيل لها لعابهم الدنيء.
بغداد / بغداد
مفارقة تقارب تمثال ابي نؤاس مع نصب شهريار وشهرزاد اذا كانت مصادفة فهذا امر رائع، وان جاءت بشكل مرسوم فالامر اروع، اذ انهما يشيان بعقلية فلسفية ورؤية ناضجة تشير في ذات الوقت الى تاريخ بغداد السردي عبر قصص الف ليلية وليلة، وبغداد اللهو والحب والحياة والجمال وتاريخها الشعري الذي اجاد بكتابته ابو نؤاس. حيث قدم بغداد كمدينة سابقة لعصورها وايامها.
تبّت أيديكم
رئيس اتحاد ادباء بابل وعضو المجلس المركزي لاتحاد الادباء والكتاب في العراق الشاعر (جبار الكواز) عبر عن رعبه ووجعه في ذات الوقت من الحال الذي وصل اليه تمثال ابي نؤاس قائلا: لقد ارعبتني الصورة وما حل بتمثال ابي نؤاس من اهمال متقصد وواع يبث رسالة خطيرة على المستوى الثقافي والمعرفي لان ابا نواس كرمز حضاري وادبي لم يعد ملك فئة او حزب او طائفة او مكان بل هو علامة مميزة في خضم مشهدنا الابداعي التاريخي يحتم على الجميع احترام منزلته كشاعر تجديدي النزعة حضاري السلوك مثل زمن زاهر. الكواز بين: ما زلنا نسعى امام هجمة ظلامية تريد لحياتنا الموت والدمار . ترى هل نعقد مقارنة بين من سعى لنصبه ومن يسعى في راهننا لإعدامه او تهديمه او اهماله ، لان المقارنة ستقول حتما اننا نعيش زمنا يتوافق مع المؤامرة التي تريد ان نعيش خارج حركة التاريخ وهو ما يستدعي منا جميعا الوقوف بحزم وشجاعة ضد اضافة خسارات اخرى لحياتنا الابداعية . 
وطالب الكواز: لنقف جميعا من اجل انقاذ ما تبقى من معالم حضارية في بغداد ولنقول للساعين في ذلك تبّت ايديكم وخاب فعلكم لان العراق الذي عرف منذ الازل بفسيفسائه الانساني واختلافه الاجتماعي المتفق على كلمة عراق.
 
 
 
 
 

فاصلة:

عرف عن ابي نؤاس حبه للخير والمساعدة، فهو لم يسعَ يوما الى ايقاع الاذى باحد أو أنه سرّ بوقوعه بشخص، كما عرفت عنه المساعدة والمواساة ، ومنها انه لما غضب هارون الرشيد على الشاعر (ابن مناذر) وأمر بضربه وبحرمانه من عطاياه المالية، زاره ابو نؤاس وترك بين يديه صرة من المال، لم يكن يملك غيرها في تلك الآونة.‏
*كونوا مثله إن استطعتم من ثم حاكموه ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram