يموتون موت الله

العاشر من حزيران هو العلامة الفارقة في التاريخ العراقي السياسي الامني الاجتماعي بل وحتى الاقتصادي اضافة الى انه يشكل العلامة الفارقة لمجموعة بشرية اضطرت الى الرحيل عن مسقط راسها ، عن ملاعب الصبا نحو مدن اكثر أمنا ، مدن يعتقدون انها ستجعلهم يبقون على قيد الحياة لمدة زمنية اطول او انهم سوف (يموتون موت الله) كما يصف احد النازحين الذي عبر عن سبب نزوحه بهذه الجملة. بعد دخول مغول العصر (داعش) ، المجموعة الاصولية الاكثر تطرفا على مر الازمان المختلفة ، فلم يشهد التاريخ مثل هذه العصابات التي اتخذت من القتل بكل انواعه وسيلة لاخافة الاخر او طريقة نحو تحقيق اهدافها المبهمة. بعد الساعات الاولى لدخول عصابات التنظيم الى المدن العراقية المختلفة شاهد الجميع كيف ان الناس بدأوا يخرجون من بيوتهم، لكل نازح قصة نزوح تراجيدية تختلف في متنها عن قصة اخيه النازح لكنها حتما مشتركة في عدد من المواضيع.

الطريق الى مدينة 

النازح الموصلي (حازم يونس) يتحدث عن المسافة التي قطعها بين اربيل والموصل قائلا: على الرغم من ان الازاحة بين الموصل واربيل لا تتجاوز الــ 100 كم الا انني اضطررت لقطع مسافة تجاوزت الـ 2000 كم والسبب هو ان الطريق الرئيسية بين المدينتين مغلقة بسبب الحروب فاضطررت للتوجه الى بغداد عبر طريق يسلكه المهربون يسير بمحاذاة الحدود العراقية السورية ومن ثم التوجه نحو قضاء النخيب مرورا بكربلاء ومن ثم الى بغداد وكركوك واخيرا الدخول الى اربيل.

حازم ذكر بأن الرحلة استغرقت اربعة يام على الرغم من انها لا تتجاوز الساعة قبل اجتياح عناصر التنظيم الى مدينة الموصل كما انها تكلف ما يقارب 600 $ للشخص الواحد في حين ان اجرة الشخص الواحد بين اربيل والموصل في السابق لا تتعدى الـــ 10$.

نازح اكثـر من مرة

ما يجري في العراق من وضع غير طبيعي جعل البعض ينزح اكثر من مرة . تحدث المواطن ياسر الجبوري القادم من احدى مدن محافظة صلاح الدين عن قصته مع النزوح قائلا: بعد فرارنا من مدينتنا لكون والدي هو احد ضباط الجيش العراقي قررنا الاستقرار في بغداد في منطقة البياع . بكل صراحة الايام الاولى لنا كانت جميلة حيث ان اهالي المنطقة رحبوا بنا وساعدونا في كل شيء حتى ان صاحب البيت المستأجر رفض اخذ ايجار اول شهر. مضيفا: في احد الايام دخلت احدى المليشيات الى المنطقة وقامت بالنداء عبر مكبرات الصوت بأن على جميع النازحين مغادرة المنطقة خلال اربع وعشرين ساعة والا سوف يكون مصيرهم الموت. واردف ياسر : لم يكن بيدنا غير التوجه الى مدينة البصرة فهنالك احد اقاربنا يسكن في هذه المدينة استقر في البصرة لفترة وجيزة ، فظروف الحياة صعبة الامر الذي دفع بعائلة ياسر التوجه الى المحطة الاخيرة من مدن النزوح وهي مدينة كركوك والتي ربما لن تكون الاخيرة لهذه العائلة.

شكر و امتنان

لم يكن موقف القيادة الكردية وليد اللحظة تجاه جميع الحالات الانسانية عبر الازمان فبعد دخول عصابات التنظيم الى عدد من المدن العراقية عمدت القيادة الكردية الى فتح ابواب مدنها على مصراعيها امام النازحين من مختلف الاطياف العراقية وقدمت المساعدة اللازمة لهم اضافة الى تحملها كافة الاعباء . فالنازحون اصبحوا يشكلون مانسبته ثلث سكان الاقليم ، وكل هذا يتطلب جهدا استثنايئا من اجل ديمومة الحياة ... النازح (سلمان الدليمي) القادم من مدينة الانبار الى محافظة السليمانة تحدث لـ (لمدى) قائلا: بعد ما جرى لمدننا توجهنا الى اقليم كردستان ونحن على يقين تام بأننا سنجد الامان والراحة ولو بشكل نسبي، اذ قدمت حكومة الاقليم لنا كافة المساعادات والتسهيلات اللازمة لذلك ولا يسعنا الا ان نقدم شكرنا وتقديرنا للحكومة الكردية على جهودها المبذولة تجاه النازحين فقد وجهت مرارا بأن كل من يتجاوز على اي نازح سيتعرض لعقوبة الحبس اضافة الى غرامة مالية...

حالات فساد

الناشطة المدنية (لميا المشهداني) ذكرت لـ (للمدى) أن من الضرورة اشراك المنظمات المدنية في تقديم الدعم للنازحين فهي على احتكاك مباشر معهم وعلى دراية تامة بما يعانونه اضافة الى استطاعتها الوصول الى الاماكن البعيدة او النائية. وعن اوضاع النازحين تحدثت المشهداني: الحالة المأساوية التي يعيشها النازحون مزرية بسبب اعدادهم الهائلة اضافة الى قلة الدعم الحكومي المقدم لهم ناهيك عن وجود حالات فساد رافقت عمل اللجنة المكلفة بمساعدة النازحين كل هذه الامور جعلتهم يعيشون حالة انسانية صعبة.

وعن دور منظمات المجتمع المدني في مساعدة النازحين ذكرت المشهداني: أن قلة اعداد تلك المنظمات اضافة الى بحث البعض منها عن الشهرة والتربح على حساب النازحين جعلها تقف في موقف المتفرج على مايحدث فهي لم تستطع توفير الا ابسط الاحتياجات الضرورية لهم.

حالة مأساوية

في احد المخيمات الخاصة بالنازحين التي انتشرت مؤخرا في ارجاء الوطن تعيش احدى العائلات الايزيدية ظروفا انسانية صعبة ، فبعد ان استطاعات الهروب من قبضة الارهاب والنجاة من الموت الحتمي هاهي اليوم تموت موتا بطيئا . عائلة السيدة باران ارملة السيد خديدة الذي فارق الحياة في مخيم النازحين تعيش العائلة وضعا مزريا ، اذ تقول السيدة باران: انها تعيش مع ابنتها الوحيدة نسيمة في خيمة وسط مخيم ايسيان الواقع في اطراف مدينة دهوك باران تعاني من فشل كلوي وتحتاج الى عملية غسل اسبوعية ، لم تكن تقوى على مواصلة الحديث عن ظروفها العصيبة فسرعان ما تناثرت دموعها على وجنتيها خاتمة حديثها بأن ما اصابها كان بسبب حفنة من السياسين الذين باعوا ضمائرهم من اجل مصالح شخصية.

حب في زمن النزوح

بعد ان جمعتهم مدينة النزوح واصبحوا من ابنائها بين ازقة مدينة السليماينة ، ولدت قصة حب بين نازح ونازحة آلت الى نهاية سعيدة . النازح (محمد العبيدي) يسكن جنوبي الموصل سابقا اعجب بجارته النازحة (سارة الحديثي) القادمة من مدينة تكريت ، ولدت قصة حب بين الشاب والفتاة استمرت لبضعة اشهر تمخض عنها زواج الشابين . احد اصدقاء محمد ذكر لنا بأنه يعيش حياة سعيدة برفقة زوجته متناسين الهموم والالام التي تكبدوها كما انهما يتطلعان لغد افضل.

مستقبل النازحين

اكاديميون وباحثون يرون بأن مستقبل النازحين سوف يتجه الى ثلاثة اتجاهات لا رابع لها : الاول هو ان نسبة كبيرة منهم سوف يستقرون في المدن التي نزحوا باتجاها كونهم عمدوا على شراء المنازل ونقل وظائفهم وتجارتهم مفضلين الاستمرار في تلك المدن .اما القسم الثاني منهم فهم سوف يعودون الى مدنهم وهؤلاء سوف يعانون كثيرا في المرحلة المقبلة التي ستشهد انعدام الخدمات اضافة الى وجود عمليات تصفية حسابات ستحدث في تلك المرحلة . اما القسم الاخر فهم سوف يهاجرون الى دول اخرى وخاصة المسيحيين منهم فلم يعد بامكانهم البقاء في بلد يعاني من اضطرابات امنية وسياسية ولا يؤمن لهم حياة كريمة اضافة الى ان هنالك دولا معينة ترغب في تقديم المساعدة لهم عن طريق منحهم اللجوء الانساني فيها.

خطة إعادة

في اتصال هاتفي مع (المدى) ذكر الاستاذ اسماعيل الهلوب ، النائب الاول لمحافظ صلاح الدين ان الخدمة المقدمة من قبل الحكومة المحلية في المحافظة لا تتعدى المساعدات والمنح الشخصية التي يقدمها المسؤولون في المحافظة لعدد من المحتاجين لعدم وجود تخصيص للنازحين وتأخر اقرار الموازنة. منوها: سيكون هناك دعم غير محدود للنازحين كونهم الطبقة الاكثر تضررا مما جرى. وعن عودتهم الى مدنهم المحررة قال الهلوب ان هنالك خطة لاعادة النازحين من سكان المدن المحررة ولكن ذلك يحتاج الى بعض الوقت خصوصا فيما يتعلق بتوفير الحماية لهم اضافة الى ضرورة التأكد من عدم اندساس العناصر المشبوهة بين العوائل بهدف زعزعة امن واستقرار تلك المناطق.

من خلال (المدى) ، طالب النائب الاول لمحافظ صلاح الدين اسماعيل الهلوب بضرورة تعاون المواطن مع القوات الامنية بكافة صنوفها واتباع كافة التعليمات التي توجهها له بغية تلافي حدوث اي خروقات امنية . وعن الموعد النهائي لعودة جميع ابناء المحافظة قال الهلوب ان العام الحالي سيشهد عودة جميع عوائل وابناء المحافظة الى مدنهم بعد تحرير المحافظة من دنس العصابات الهمجية داعش.