العاملون في التلفزيون العراقي الرسمي في زمن النظام السابق، كانوا يدخلون في اقصى حالات الانذار حين يصلهم شريط مصور لنشاط كبار المسؤولين ليبث في نشرة الساعة التاسعة مساء، اسباب الدخول بالانذار تتعلق بفحص الشريط بدقة متناهية في غرفة المونتاج لالغاء لقطات تظهر قيام المسؤول بحركة ما، تقلل من هيبته بوصفه رمزا جماهيريا وقائدا تاريخيا، ليس من المستحسن ان يراه المشاهد يحك انفه، او يعطس اثناء عقد اجتماع مهم لبحث القضايا المصيرية.
صاحب الفخامة في ذلك الوقت، كان مكتبه الاعلامي الخاص يضم مصورين يجيدون اظهار فخامته بكاريزما تثير انتباه المشاهدين، تبعث برسائل الى الاعداء في الداخل والخارج، تفيد بأن القائد يسخر من مؤامراتهم، في مواسم الازمات والتلويح بشن هجوم عسكري، كانت الصورة المرافقة لخبر عقد اجتماع لبحث سبل مواجهة الاعتداء الخارجي الوشيك تظهر الحاضرين مستغرقين بالضحك، مع هز خفيف للكروش، لاعطاء ايحاء للمشاهدين بان القيادة الحكيمة مصرة على تحقيق النصر الناجز.
على الرغم من الوسائل الاحترازية للحفاظ على كاريزما المسؤول، تحصل في بعض الاحيان ثغرات فنية تبث على الهواء مباشرة، فيتعرض الفريق الاعلامي الى عقوبات، واحيانا الاحالة الى جهة امنية لاجراء التحقيق، للتأكد من ان الامر لا تقف وراءه جهة خارجية معادية تريد تشويه صورة المسؤول الكبير امام ابناء شعبه في نشرة المساء التلفزيونية، فيكون نكتة الموسم تتداولها الالسن داخل الغرف المغلقة، خشية التعرض للاعتقال بتهمة التآمر.
الثغرات الفنية كانت قليلة، لان المسؤولين السابقين كانت لديهم معلومات اولية حول التعامل مع الكاميرا بنوعيها الخفية والخبيثة، فضلا عن ذلك كان الشريط المصور يمر على اكثر من رقيب ثم الى المسؤول المباشر على البث، فيقوم بدوره هو الآخر بعملية فحص اخيرة لتشخيص لقطة عبرت مجسات الفاحصين سهوا، قد تكون سببا في حصول كارثة.
دخول وسائل الاتصال الحديثة الى العراق وشيوع استخدامها وفرا للجمهور فرصة الاطلاع على ما حققته "الكاميرا الخبيثة" من مشاهد مصورة لمسؤولين وقادة سياسيين في لقطات تثير السخرية، وظفها "الخبثاء" لتحقيق مآربهم، لتكون جزءا من حملة الغرض منها النيل من مسؤول او سياسي يجهل التعامل مع الكاميرا، فريق مستشاريه لم يعلمه اصول تحقيق الحضور في الصورة بشكل ينسجم مع موقعه ومنصبه.
منتصف التسعينيات اجرى مكتب جريدة الخليج الامارتية في بغداد لقاء مع رئيس المجلس الوطني وقتذاك المرحوم سعدون حمادي للحديث عن الاوضاع السياسية، ودور المجلس "البرلمان" في تشريع قوانين جديدة، لم يخرج الفريق الصحفي بمعلومات جديدة باستثناء دعوة حمادي وسائل الاعلام المحلية الى نشر صور اعضاء المجلس النائمين اثناء انعقاد الجلسة، ليتعرف العراقيون على ممثليهم في برلمان ذلك الوقت، من خلال الكاميرا الخبيثة.
الكاميرا الخبيثة
[post-views]
نشر في: 12 يونيو, 2015: 09:01 م