تميز الدكتاتور التشيلي بينوشيه في سنوات حكمه بفنون القتل والتعذيب، فمرة يرمي ضحاياه من الطائرات في مياه البحر، ومرة يدفنهم في مناطق مجهولة، حيث لا يعود لهم اثر، انهم مجرد اناس حاولوا ان يعطلوا مسيرة الجنرال الذي قال ذات يوم لوكالة الصحافة الفرنسية: "لا تتحرك ورقة شجرة في تشيلي إذا لم أحركها بنفسي، فليكن هذا واضحا"!!.
طبعا كلنا نعرف ان مسيرة بينوشيه انتهت، بان وقف مثل الجرذ المذعور امام المحكمة، حتى ان محاميه حاولوا اقناع المحكمة ان موكلهم يعاني من القصور العقلي، بعد وفاة دكتاتور تشيلي أصدرت وزارة الدفاع قرارا بطرد حفيده من الجيش، باعتبار ان وجوده يعد اهانة لأسر الضحايا، وهو القرار الذي لاقى استحسانا شعبيا، الا ان رئيسة تشيلي ميشال باشيلي، وهي احدى ضحايا بينوشيه ، ارسلت مذكرة للقادة العسكريين تطلب منهم مراجعة القرار، وقالت : "بينوشيه يكفيه أنه نال عقابه في الضمير الشعبي، فهل قرار طرد حفيده سيعيد آلاف الشبان الذين ازالهم جده من دون محاكمة؟ هل سيرفع هذا القرار الحزن عن آلاف الامهات، ايها السادة اذا كان من عقاب حقيقي لحقبة بينوشيه، فهو في بناء بلد مستقر و مزدهر".
منذ اشهر ونحن نعيش في العراق حكاية مطاردة الجثث ، مرة قضينا اسابيع نسأل اين جثة عزة الدوري؟ وتاه المواطن العراقي بين ان يسأل عن ضياع الموصل وهجرة الملايين، ام يسأل عن الأسماء التي وجدت في هاتف عزة الدوري ، بل ان البعض حاول ان ينسينا ان داعش يعرض الايزيديات في سوق النخاسة ، وان الاطفال يموتون في مخيمات النازحين، فلا حديث يعلو على حديث جثة الدوري، ومع مرور الايام ، ولاننا شعب مصاب بعطب في الذاكرة، لم نعد نسأل اين وصل تحليل الـ " دي ان ان " فقد انشغلنا بخلاف جديد أكثر إثارةً، هو اين اختفت جثة طارق عزيز؟
ما هو القاسم المشترك في كل هذه الاخبار؟ قواسم عديدة ، وإذا كان لا بد من اختيار واحد، فهو التغطية على ملفات اهم واكبر لعل ابرزها التحقيق في سقوط الموصل، وليس آخرها ملف الخدمات الذي لانزال نكتوي بناره منذ اكثر من عشر سنوات.
يوصينا مانديلا بأن رجل الدولة الحقيقي ليس في قاموسه شيء يدعى الثأر، الزعيم الافريقي استطاع أن يطوي صفحة سوداء ويفتح طريق المستقبل للمواطنين المتعددي الأعراق والأديان، وكانت مواقفه رمزاً لهذا المستقبل حين شكل حكومته الأولى من مظلومين وظالمين.
القانون، في الاعراف الدولية ، هو العدالة، جثة كجثة طارق عزيز لايمكن لها ان تكون دليلا على ظلم صدام وعنجهيته ، لان صاحبها انتهى من لحظة وقوفه خائفا مرعوبا في قفص الاتهام، ومحاولة سرقتها يحولنا الى بلاد ثأر بلا نهايات.
بلاد الجثث
[post-views]
نشر في: 12 يونيو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
أتصور ان أمريكا التي حررتنا من الفيلد مارشال صدام ابن ابيه سوف لاتغضب منا ان انتقدنا سياسه الانقلابات العسكريه في العالم الثالث----رئيس الوزراء الايرانى مصدق الدى كان محبوبا عند شعبه سقط بانقلاب عسكرى الدى كان قائده الجنرال الزاهدى-----في صبيحة الانقلاب