TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بعد "إختطاف" جثمان طارق عزيز!

بعد "إختطاف" جثمان طارق عزيز!

نشر في: 13 يونيو, 2015: 06:01 م

إذاً فهي قصة ملفّقة تماماً من ألفها إلى يائها، وقائعها لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، والأرجح إن فبركتها كانت مقصودة لغرض معيّن، سياسي بالتأكيد، يستند إلى أحوال البلاد المتوترة للغاية والمتدهورة للغاية على كافة الصعد وفي كل المجالات.
ما أعنيها هي القصة التي زعمت أن جثمان نائب رئيس الوزراء في عهد النظام السابق طارق عزيز قد تعرّض للاختطاف قبل أن يصل إلى طائرة الخطوط الملكية الأردنية التي كانت ستنقله إلى عمّان حيث تقيم عائلته ويُوارى الثرى.. مفبرك القصة أخذ راحته إلى أبعد الحدود فنسج حكاية مكتملة الأركان والعناصر درامياً، كأي فيلم من أفلام العصابات.
وإذ لم يراع المفبرك أي معيار أخلاقي في تلفيق حكايته ولم يردعه وازع من ضمير، فإن الأمر الخطير في القضية برمتها هو أن وسائل إعلام محلية قد مضت بعيداً في تجاوز قواعد المهنة وأخلاقياتها وأحكام المسؤولية الإجتماعية، بإذاعة الحكاية وتداولها على أنها قصة حقيقية لا مجال للطعن في صدقيتها .. لم نقرأ في ما كُتب ولم نسمع مما أذيع على الهواء عبر الراديو والتلفزيون ما يتحفظ على الحكاية من قبيل "ولم تؤكد مصادر رسمية أو مستقلة هذه المعلومات"، مثلما لم يسع الكثير من هذه الوسائل إلى تقصّي صحة الخبر المتداول لدى الجهات الرسمية ذات العلاقة.
مفبرك الحكاية أفاد كثيراً، وهو يؤلف قصته البوليسية، من واقع الحال في البلاد، واقع الفلتان الأمني وغياب القانون المتوارث من عهد الحكومتين السابقتين. على مدى السنين الإثنتي عشرة الماضية حدث العشرات وربما المئات من قصص الإختطاف المثيرة التي تراوح القائمون بها بين أفراد وعصابات جريمة منظمة وميليشيات، لم يُعدموا مَنْ يتواطأ معهم ويسهّل لهم أمورهم في إرتكاب جرائمهم. وقد بدت وقائع الإختطاف المزعوم لجثمان طارق عزيز كما لو أنها صحيحة لأنها تشبه وقائع حوادث حقيقية سابقة.. الفرق ان المخطوفين فيها كانوا أحياء وليسوا أمواتاً.
لكن قضية الاختطاف المزعوم لجثمان طارق عزيز ليست من النوادر في تداول الإعلام المحلي على نحو غير مسؤول الأخبار الملفّقة، عن قصد في أكثر الأحيان ومن دون قصد في أقلها. وهذا راجع إلى واقع ان الإعلام الوطني الجديد لم يبلغ سن الرشد بعد .. أغلب العاملين فيه لا دراية لهم بأخلاقيات المهنة ولا معرفة بقواعد العمل فيها، والمؤسسات نفسها لا تبدو معنية بإلزام العاملين فيها بمراعاة هذه الأخلاقيات والقواعد وعدم الحَيْدة عنها.
حرية التعبير، بما فيها حرية الصحافة والإعلام بالذات، لا تعني أبداً حرية نشر المعلومات الكاذبة مثلما لا تعني توجيه الإتهامات جزافاً والحرية في السبّ والقذف وانتهاك الخصوصيات. نحتاج الآن بالذات إلى هيئة مستقلة وظيفتها رصد ما يُبثّ عبر وسائل الإعلام وتحليل مضامينه وتنبيه، وحتى محاسبة، هذه الوسائل عن أي خروج على قواعد المهنة وانتهاك أخلاقياتها.. هيئة الإعلام والاتصالات محكومة بقانون (قرار سلطة الإحتلال) يحصر نطاق مسؤوليتها بمحطات الإذاعة وقنوات التلفزيون، وعملها على هذا الصعيد فيه تقصير. أظن ان هناك حاجة ماسّة لتوسيع هذا النطاق ليشمل الصحافة الورقية والإلكترونية.. ولكن، على أن لا يعني ذلك أن تجعل الهيئة من نفسها جهاز رقابة قمعياً على غرار ما كان يجري في العهود السابقة .. إنها جهاز للرصد والتنبيه مرة وإثنتين والإنذار مرة واثنتين أيضاً قبل الإحالة إلى القضاء الذي يتعيّن أن تنحصر أحكامه في هذا الخصوص في فرض غرامات مالية وليس تكميم أفواه الإعلاميين، وسائر المثقفين، وكسر معداتهم الكتابية، بملاحقتهم وإعتقالهم وسجنهم وإغلاق مؤسساتهم، مع التأكيد على إنها هيئة مستقلة عن حق، إستقلالها مؤمّن تشريعياً ومحترم عملياً، بالذات من الحكومة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram