(حاير ممتحن شرتكب يا راي .. فكري كله يمّك)لمْ يبقَ شيءٌ في الربايا ..الجنود ـ وهذا هو حظ أولاد الملحة ـ ميتون والجنرالات الأسودُ على ابناء جلدتهم أصحابَ السيوف المتقاطعة والتيجان الراجفة على الاكتاف يلبسون الدشاديشَ ويسوقون سياراتهم الرباعية الدّفع م
(حاير ممتحن شرتكب يا راي .. فكري كله يمّك)
لمْ يبقَ شيءٌ في الربايا ..
الجنود ـ وهذا هو حظ أولاد الملحة ـ ميتون
والجنرالات الأسودُ على ابناء جلدتهم
أصحابَ السيوف المتقاطعة
والتيجان الراجفة على الاكتاف
يلبسون الدشاديشَ
ويسوقون سياراتهم الرباعية الدّفع
منذ الطلقة الأولى ..
تاركينَ الجملَ بما حملْ ،
نَهبَ السكاكين التي يغرسها الوحوش الملتحون
بعيداً في لحمه ، فتسيل دماء العراقيين
بوادِ غير ذي زرع
ونفسك تسّاقطُ ، ويداك على جمرة قلقِ ترتعشان
والندامى غرقوا في الريح..
ماتوا ظمأً ..
والروحُ تركضُ ، ثمّ تركضُ ..
أينَ تركضُ ..؟
(لاوين ناكل حملك أبهلّيل ركد روحك )
فلا آن ولا ودان ..
وأسراب من الأرواح المغدورة
تطرق أبواب السموات ..
وما من مجيب ..!!
والقلوب التي تجلس على العتبات ..
فارشةً شليلها..
هي قلوب أمهاتهم
علّ روحاً تهبط .. ولا تهبط ،
ركب دهري المصايب وردمني
وإله بكل الحدايق ورد مني
شصبر الروح بعدك وردمني
وأنه إكبور النجف تزحف عليّه
ياااااااا إلهي ..
أيصلّ صوت الموت في أرحامهنّه
وهل صكّت الريح اسماعهنّه
أتقول ويح ثواكل بوحيدهنّه
(حملّنه تسعاً وخطن عليه سمر جلودهنًه)
فأطحن زرنيخك يا سعدي
وألهمه ممزوجاً مع ما تبقى من نواحٍ
يوقظ الموتى
في صدورهنًه
وغنِ لي الآن :
لطمهه .. كلت بالموت هلغبرة لطمهه
بجه منها وشكه وردها عليّه ..
وأضرب بصوتك بطن الأرض
فأنشقت من القتلى السماء
ومدّت سلّماً تتسلقه الأرواح المشوية
في جحيم اللّحى وجحيم الوحوش
التي تخبط المودة صافية في رقابنا
وتصلي .. والرّب يرى ..
والسماء تضيء.
قولي شيئاً ايتها السماء
فهل هي حرب بين ألهين
أم انه أله واحد ..
قولي شيئاً ليطمئن قلبي ،
فمِمَ تخافين أَيتها السماء
واستبدلي نجومك المطفأة
من فتاوى المتأسلمين
بدموع العراقيين
لتكوني أكثر إشراقة ورحمة ..
فأندفْ يا سعدي
إندف قلبك جبل الهمّ
فلا أحد غير صوتك
بعينيه العسليتين ، ورقته التي لا تنضب ،
ويديه الواثقتين ، وصدره الرحيب ، يعيد للأشجار
خـّمرتها ، فتصلّ البلابل يانعة في ثمارها ،
ويسيل الغناء من مناقيرها ، فتأتلق الغيوم بأقواس قزح
من العمّات والخالات ، وتمطر راقصة بالألوان كلّها
وبالأديان كلّها ، وصوتك هو الترجمان الوحيد
الى حيث ينبض القلب ، فتفيض المحبة مبسملةً
من صدورهم .. فيرقص في البيدر السنبل
فلا منقذَ الآك وأعني غيمتك التي تطير
بالآف الأجنحة مبللّة بدموع الفرح
في عيون العمات والخالات القادمات
من عكد المفتي وعكد البوس ،
وبينهما شمرةُ ناي تسرّ الناظرين ..
ومن عكد اليهود وعكد العجم ، وبينهما قوس كمان
(وأجناب نزلو بالطرف يا يمّة أحبهم ) ،
ومن عكد ليلى وعكد كمرة وبينهما نافورة نور
وصبايا ومري حديثات وفخاتي
وكمنجات وبرتقال وطاسات ومناشف
وحمام نسوان ..
ومن عكد الكرد وعكد البيات ، وبينهما سرب كناري
وثياب خضر واستبرق ورباب ومناشير
وسلام ..
(آنه وحيد وانتن بنات هوايه )
فتضج الأزقة في حنجرتك
(أصيحن والصده الصوتي ينابي
طحت وارماحهم عجله ينابي )
وتفوح برائحة الرحمة
واللّبوةُ تزأر في صوتك
وأنت تروّضها ،
تفلترُ هذا الألم النازف في قلبها
وتشرب مرّها ، فيغفو العسل على شفتيك
وتتلون وردة الباكلة في راحتيك ..
(أمك طاغية يا زين الاوصاف تتباها بجمالك )
فأي قطاة هذه الأم التي تقفز من ساقية لساقية
لتُدلَ الغيوم على السواقي الرّضع ،
(وخالاتك عليك إتخاف وتغار حته من خيالك )
وأنى لنا ان نلمح خيالك
وأنت يا من لا أحد يراه ، وترسمه الخواطر
(تمعنه الله بجمالك قبل نامه
ولهذا جعلتك قبل نامه)
( وعماتك يلقبنك يشفاف
بالنسبة لجمالك
وآنه راح ألقبنك واسميك
روحي معلكه بيك ) ..
وروحي معلقة بالنخلة التي يغفو في ظلها الأنبياء
وترتلُ بملايين البلابل ،
آياً يطيرُ به الحمام الى السلام
والتي سمتها الشمس عراقاً
وعمدتها بالذهب الخالص
في قلوب العراقيات الصابرات المؤمنات ..
يمّه عود من توصل الحرب خلي عينك بعين اللّه ،
ودير بالك على ولد الجيران ..
فأشرقت في نخيلها رطباً
وأوصت قمرها الاّ يفطم رضيعاً من حليبه
فلا غرابة من هذا الحمام المتطاير
من أكف الحليين وهم ينامون صيفاً
فوق سطوح منازلهم
فلا جائع ولا ديك ينبه الزعلانة..
بطلت ما ناميش بالحلة وحدي
أزعل وكول اتطول ويردني سعدي ..
فصوتك يأتيني من تيغة الى تيغة
ضاجاً بعصافير اللّذة ..
وأنا أتأرجح بين الحلم وبين اليقظة فأقفز
كالسائر في نومه فوق سطوح الجيران
وادخل كلّته التي تهدر بالفحولة ..
فلقد خصَّ اللّه صوتك
بخمر الجنة وحلاوة الحور العين ..
وبالدللّول يلوطن يبني
دللّول ونذره قربانا للعراقيين
وضيمهم الى يوم قيام الساعة ،
لينام الفقؤاء آمنين قانعين
بما آتاهم اللّه في أنهارهم ونخيلهم ،
وهم يسبّحون في بيوتهم الطينية
فلمْ يعرفوا غير الشموع
التي يضيئون بها الجبال والسهول
والأنهار سلاحاً ..
ليكون العراق برداً وسلاماً ..
وهم يزورون بعضهم البعض
متبادلين ما تجود به تنانيرهم
من خبز العباس ومن كعكة عيد الميلاد ..
فمن أينَ جاءت كلّ هذه الخناجر والسكاكين
والسيوف والقاذفات الراجمات الصادقات
المؤمنات ..
أكانت مخبأة بين العمائم واللّحى ..
(كلّها اتريد ترمي السهم بحشايه
آنه وحيد ونتن بنات هوايه )
******
بطلن لطم مو خلص كلبي ..
كنّا محشورين بثقب الأبرة
ونرفل بالدمقس وبالحرير ..
بعد أن اضاف الساسة الجبابرة الملهمون
منجزاً في رحلة جبر ـ العراقي بامتياز ـ ،
فمن بطن إمهِ الى الحروب الى الكبر ..
والأناشيد الوطنية على قدم وساق
( يمّه البارود من اشتمه ريحة هيل ) ..
الأناشيد الوطنية تحمل القتلى
من الأرض الحرام ، وأعني العراق كلّه
الى المقابر التي فاقت قراه عدداً
أحياناً يأتي الشهيد في آخر تقليعات الموت ،
وعلى شكل جودلية ،
فمن كل قتيل رقعة ،
ويكتمل بساقين ايرانيتين وصدر عراقي
ويدين افغانيتين ،
ورأس رجل طاعن في السن
سيق الى الجيش الشعبي حتف أنفه،
الأناشيد الوطنية ترفع عقيرتها مرتلة :
هذا الضرورة امين
من الباب الأول
ماجل حلاوة .. حلاوة ماجلّ
نازل علاوي .. علاوي نازل
لابس تراجي .. تراجي لابس
فاحص خصاوي .. خصاوي فاحص ..
واليوم لا ثقب ولا أبرة
ونحن نطحن في ماكنة الطوائف
واللّه وصفينه اتراب حنطة
كواغد في مهب الريح
كم عمر أضعناه
وكم حر ذبحناه
وكم نهر يكركر بالسواقي الخضر
بالقتلى دفنّاه
*******
كانت مقابر العراق تقف بكل موتاها
على رؤوس شواهدها بانتظار الجمرة
التي تتقد هادرة بالشرر من شفتيك
فمن يضيء ليلهم الدامي الطويل
الذي يتمطى على صدورهم
بالدبابات والشاحنات والشفلات
ومن يلمّ لحمهم المهروسَ
في سرف الدبابات ، أحمر اسود
يلهمه الدود الوطني
أكنت ترضع كل هذا النحيب
من قبورهم التي هدموها فوق رؤوسهم ،
ومن رؤوس حملتها الرماح
وصدور مزقتها السنابك..
ومن السبايا عرايا في جبال الله ، لا خط ولا خبر
هذا الدفرني وكسر ضلعي
والمقبرة تفتح صدرها
ناصحةً الموتى :عودوا الى أوطانكم ،
وهم مترددون خائفون يتقرفصون لصق قبورهم ..
سائلين عمّن قتلهم ..؟
ولمَ قتلهم ..؟
موت الولد شو صار حجه
إيروح ويجي سوانه سجّه
مستعجل وما ينطي فِجّه
وكَلب ولدي بسجين دجّه
لصعد لهم درجه إعله درجه
فهم المراثي المرة التي تتحنطل في صوتك
إنها الميّتة المرة التي يشربونها صرفاً
ويتمززون الدود
المتساقط من عيونهم ..
سعدي ..
ايها الحلي المخبوز في تنانير سومر وأكد ،
ومازال جمرها يتقد في جبينك
ايها الطائر الصادق الأمين
المحلق فينا ..
فديتك نفسي .. جناحاك خمر وماء
وصوتك يحتد في المقصلة
فطر بي الى حيث تشتبك الاسئلة
ويبتسم الطفل في السنبلة
(اشوفك وين يلغالي ولاكيك
يلسباح كلبي متصل بيك
حاير وين اشوفك
دايخ وين ألاكيك )
الفسائل ترضع من سباح قلبك
وصوتك بين فم السباحة والحلمة
يزداد صبراً وتقسو عليه
تطعمه رجفة نايٍ مكسور ضلعهُ
ووحشةَ أُمٍ لا ئبةٍ ترعاها كلّ ذئاب اللّيل
وأَنّةَ جيتار قطع الساسةُ أوتاره بأسنانهم
خوفاً من لثغة طفل فيه ،
ومن شوغة أم يأكل الغياب قلبها
فتجزع الأزقة من نواحها
وأنين حمائم مرّ بها الطشاري سريعاً
فهوت فوق الارض رمادا
ودموع ندامى تفتُّ الخمرةُ
ما تبقى من أكبادهم وهم
يغنون :
يلرايحه بليل لهلج
حولي عدنه الليلة
إبعيد الدرب
فمن يوصلك؟
ومن يضمن لك بقاءهم احياءً
والساعة قائمة لا ريب
خايف عليج من الخطر
والدرب مظلم والكمر
غايب ولسا ما ظهر
خل نكعد إنتانيله
حولي عدنه اللّيله
أتعجن كلَّ هذا في صوتك
وتخبزه على صدور أمهاتنا
أيصير الصوت خبزاً،
فيسيل العراق بالشهداء
وبالأرامل واليتامى والمساكين
وأبناء السبيل
تضيق البلاد وتخرج من جلدها
تترنح ثم تنهض ،
فحين تغني والبلاد تتشظى
في شفتيك دماً
والحلة يائسةً تبكي وتنوح
(لكيتك رازقي طيبة وملاحة تفوح
إبيقظة لو حلم من بين اديه تروح )
فهل كنت تعنى أبا الغائبين العراقا
وتعلم علم اليقين
أن الله خلق العراق خصيصاً
لتزويد المقابر بالشهداء ..
والمقابر لا تشبع من المكاريد
وتسأل هل من مزيد
وأَنَّ ساستهُ وأعني طباخي المقابر
اصحاب الشفلات والفخامات والحمايات
والمدرعات ..
المتفيقهين إيماناً ونبلاً
يتفنون في شيِّ اجسادنا على جمر عقدهم ،
حتى صار العراقي على ايديهم
مسكوفاً مذموماً..
من أين جاءوا ..؟
وكيف صاروا أسياداً
على حين غفلة
ألم نشبع من الاصنام
ونحن نرى نجوم الظهيرة
وحليب أمهاتنا
الذي يسيل من أنوفنا
طيلة ستين عاماً
جزء من قصيدة للشاعر سيتم نشرها بديوان