TOP

جريدة المدى > عام > ذات صيــــــف..رواية: فانسان الميندرو

ذات صيــــــف..رواية: فانسان الميندرو

نشر في: 16 يونيو, 2015: 12:01 ص

تبدأ رواية ذات صيف هكذا:دعنا نقول بان الملاحة بالنسبة لاخي كانت حلم طفولته...في ذلك الصيف اقترح علي ان اقضي معه بضعة ايام قي البحر في سفينته الشراعية، وبكل بساطة كان قد قال لي ان علي وعلى (لون) ان نستقل قطار الليل لكي نلحق بهم في الساعة الثالثة في نا

تبدأ رواية ذات صيف هكذا:
دعنا نقول بان الملاحة بالنسبة لاخي كانت حلم طفولته...في ذلك الصيف اقترح علي ان اقضي معه بضعة ايام قي البحر في سفينته الشراعية، وبكل بساطة كان قد قال لي ان علي وعلى (لون) ان نستقل قطار الليل لكي نلحق بهم في الساعة الثالثة في نابولي . غير انني لم افهم ماكان بسيطا.
ما كان ينبغي علي ان اقلق، فقد كان هو وجين ينتظروننا في الميناء، وكان هذا الميناء يقع عند حافة القصر.
عندما وصلنا امام البناء قبل الساعة التاسعة بقليل ، قررنا ومعنا (لون) الانتظار في الجانب الآخر من الطريق السريع، وضعنا حقائبنا امام اكشاك صغيرة لشركات بحرية، وعلى نوافذ من زجاج كانت هناك ملصقات اعلانية صغيرة تقترح عروضا للجزر المحيطة، وفوقنا يمكن ان نقرأ مدونة ( ميناء نابولي) بحروف كبيرة سوداء. استدرت لكي أرى بامعان القصر ثانية.
قلت ل (لون) هذا حسن ، ان تكون هناك.
جلست على السلالم واخذت تروّح عن نفسها بخارطة نابولي المطوية، ابتسمت
لي من دون ان تنبس ببنت شفة، لقد كانت متعبة. كان الجو حارا. وكانت
ارنبتا انفها مرصعتين بقطرات شفيفة. ابتسمت لها ايضا.وكانت هذه هي الرحلة
الأولى التي نقوم بها معا. ما كنت اريد منها ان تفكر بانها معي كان يمكن ان
نضيع. فتحت زر قميصي والتفت باتجاه رصيف الأبحار، الذي فيه يقف
بتجلد مركب ابيض ضخم. ولايوجد اي مركب نزهة هنا. كنت اتطلع الى
ساعتي اليدوية، واتساءل، اين هو اخي.
لقد مر على انتظارنا عشرون دقيقة تحت الشمس عندما أخذ هاتفي يهتز
في جيبي.
ــ اين انتم؟
قلت :
ــ هنا، في الميناء امام القصر.
وكان اخي هو الآخر في الميناء امام القصر، ينتظرنا.
لم اكن اراه.
قال لي:
لم ارك.
كنت ابحث عنه بالنظر.
ــ اين انت ؟
الحّ…… : هنا
1
كتاب صغير، وشعور عظيم. أو، إذا كنت تفضل، فصل "الصيف"مقابل فصل الشتاء. فمن بين 353 رواية من الروايات الفرنسية التي استهلت هذا الموسم الأدبي الجديد، لا يمكن ، في الواقع، ان نتجاوز رواية فانسان الميندورو الذي يبلغ من العمر 36 عاما ، والذي نجح في تحقيق إنجاز باهر، وهو يخوض في مياه عميقة في96 صفحة، يتناول فيها قصة حب، رواية مثيرة ، قصة عن الأخوة وجلسة سرية في الهواء الطلق.
كان الثلاثة غامضين وماخفي ينهض ، قاسيا ومثيرا للهزء ، حتى الصفحة الأخيرة من الرواية . فبيير، وهو الراوي يشرع بالسفر الى نابولي على يخت يعود الى شقيقه جان. وكان الأول قد جاء مع (لون) الشقراء، صديقته الصغيرة السويدية التي انتهت من تقديم أطروحة حول المساواة بين الجنسين. وعاش الثاني لمدة سبع سنوات مع جين السمراء، التي كان بييرعشيقها.
يمضي القارب ببطء نحو كابري. وكان الجو حارا حرارة شديدة. والهواء خانقا. وكانت الاجساد تنضح. في النهار كان البحر هادئا كالزيت، والليل يقطر قطرانا، تتكاثر قناديل البحربسرعة، والتي تتجه في الوقت المناسب ضد التيار بازهارها اللبنية". ويترصد بيير وجين بعضهما بعضا، ويتلامسان ويتقاربان ثم يجدان نفسيهما في المقصورة. لم يدعمهما أي شيء. كل شيء موحى به.
ولما كان رساما مدهشا للوسط البيئي، يكتب فنسان الميندورو على لوحة مائية. عبارته بسيطة مخادعة تجري مثل المياه المالحة عند سفح صخرة. هذا هو الأدب. ومن أفضله. هذه الرواية القصيرة لا تستدعي او تثير أي نقاش حول المجتمع، ولا أي حوار ، ولا أية ثورة. إذن هل مايزال هناك مكان لفصل الشتاء بدلا من "الصيف"؟
2
انهما جين وجان على متن قارب. انهما يتحابان وسوف تستغرق رحلتهما كل الماضي. دعونا نقول (انه مع هذه الحتمية يبدأ الكتاب) وان هناك تأرجح للسفينة في الهواء، وتأتي امواج القعر القوية جدا والمفاجئة من بعيد على وشك أن تعلو سطح السفينة. تقع احداث الرواية ما قبل العاصفة، في تألق معلق، حيث يبدو أن العناصر نفسها تسترد أنفاسها. على متن القارب، هناك أيضا، الراوي، والفتاة لون، ونهاية لعزلة غريبة، تنام وساقاها مطويتان على شكل حرف L كالحرف الأول من اسمها، خلاصة للأنوثة . ان ضيق حجم وحدة المكان، وهو مكان ملاحي وغير مريح، يضاعف من الأحساسات والحاجة إلى الهرب. وكما هو الحال في رواية ( التجاذب الاختياري)، لغوته، فان الأزواج يلتحمون ويتفككون ، تتضاعف التوافقات، وهي ترسم خطوطا متوازية وخطوطا قطرية بين البشر.
في عام 2011، طرح الكاتب اسلوبه البراق في روايته الأولى، (عزيزتي ليز)، حول كآبة العشاق الروحية في سن المراهقة، الكآبة التي كانت تغني طبطبات موج البحر.
ان الكاتب يتابع في هذه الرواية سعيه الشفاف، ويستشعر الأسباب والموضوعات ( القبعات، والقبعات الرياضية وسترات الأنقاذ هي مخلوقات حية، بلا حراك)، ويدقق في غرابة الحيوانات (قنافذ البحر وقناديل البحر وعوالق تتسبب في ذهول قريب من الشعور بالأنزعاج ) وينجح في خلق مناخ للنوم بهدوء. من هنا استطاع هذا الكاتب، الذي ولد في عام 1978، اغناء رواياته بجمالية تعود الى ستينيات القرن الماضي ، جمالية قوية وبسيطة؟ ان الصورترقص أمام أعين القارئ من ( الشمس الساطعة ) لرينيه كليمان، و(الكسوف)، لمايكل أنجلو أنطونيوني، وحتى قراءة هذا الرواية الواضحة وضوح الشفق.
3
هم أربعة، على المركب الشراعي الصغير، بين نابولي وكابري. في الصيف. صيف حار، رطب، وغالبا ما تتخلله عواصف رعدية. كان الراوي قد اخطأ الميناء ، فيصل برفقة لون، صديقته، الى مقربة من قلعة نابولي، ولكن ليس هذا المكان هو الذي ترسو فيه سفينة جان ، شقيقه. يلتقون هنا، وتصل جين ، فيشعرالقارئ أن كل شيء يذهب سدى.
كانت جين وهي عشيقة الراوي. تعيش مع جان لمدة سبع سنوات، غير ان (لون) لاتعرف شيئا عن ذلك: ولكنها ستعرف ذلك أثناء الرحلة. كل هذا الصيف سيولد كثيرا من التوترات، ولحظات من الأزمات الكامنة، لحظات توحد أو فصل بين البشر.
وفي البدء، كل الأمور في كتابة فانسان الميندرو ALMENDROS، فهذه هي روايته الثانية بعد روايته ( عزيزتي ليز). يكتب المؤلف بجفاف ، وعلى شكل فقرات فيها الكثير من الهزات، الموجزة في بعض الأحيان، والحذف من خلال اسلوب الحذف والتلميح، كما هو الحال في هذا الاستحضارالليلي: " كان البحر، مسحوقا، ينام، بعمق وهدوء ناعم ومزجج. كل شيء كان ينام. والجميع كانوا نائمين. "
اما هو فلم يكن نائما، سيكون ذلك مفهوما. أول ليلة في جو شديد الحر ليلة من الأرق وساعة لم الشمل امام سماء مرصعة بالنجوم مع جين. وهي جميلة، وهي بالكاد ان تكبر بالعمر، على العكس من جان الذي "ينظر نظرة اعراض وغضب " تعكس على حد سواء واقعا مرئيا وموضوعيا، والعلاقة التي تربطه بالراوي. ويبدو هذا بعيدا عن هذا الحب المفقود، والذي كان يمنحه "نوعا من المودة" التي ينفيها مع ذلك . هذا المعبر بين البر الرئيسي وبين جزيرة قريبة جدا، وجميلة جدا ومغرية هو معبر مميز بعلامات.
ونحن نفسره بوصفه خطوات نحو الحل- الخاتمة التي يمكن أن تكون خاتمة مأساوية. ان رواية ( ذات صيف) تمتلك مظاهر من الخيانة، مثل السيد ريبلي دو باتريشيا هايسميث الى حد ما وهو يتذكر من خلال المواجهة في البحر، ويقود سقوط الشخصيات ، بعد تغيب لبضعة أشهر قليلة في المنطقة الباريسة، والى شيء من الاستعراض المسرحي.
ولكن الم يتضح على الفور بان هناك مايثير الغرابة، بل وحتى مايثيرالسخرية، في مشهد القبعة التي نساها الراوي؟ لم يكن لديه غطاء رأس، وكان يعرض نفسه لخطر ضربات الشمس، التي تتجنبها (لون). اذ يلعب غطاء الرأس دورا حاسما.
تقرأ هذه الرواية - ذات صيف- قراءة في جلسة واحدة ولكن لا تدع قارئها يمربسلام. حتى انه يشعر، وكأنه قنديل بحريعيش في اعماق البحر أوكاسماك التونة والعوالق، وحرارة الصيف الشديدة وطفح الحبوب على الجلد ، ناهيك مايصيب العينين من عمى بسبب اشعة الشمس، كل ذلك ليس معناه من دون ثمن. فالضجريستمر، في نوع من دوار البحر. ولكن في الوقت نفسه من الممتع قضاء الوقت وانت في مركب .
هذه الرواية صدرت عن دار منوي الشهيرة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram