TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ذكريات صحفية

ذكريات صحفية

نشر في: 15 يونيو, 2015: 09:01 م

حين يفقد الانسان الثقة بالحاضر ، والأمل بالمستقبل ،يعيش غالبا على ماتخلل ماضيه من احداث جميلة ...هنا يمكن ان تنتقدوه حين يردد (كنا هكذا ، فعلنا هكذا ، حققنا كذا وكذا )أو تنتقل اليكم عدوى الألم والحسرة التي يشعر بها وتشعرون بالمواساة ...هذا مايحدث حين يتحدث العديد من الصحفيين السابقين عن انجازات الماضي التي تركوها ورائهم منذ ان اصبحت وزارة الاعلام العراقية (محظورة امريكيا ) بتأييد من اغلب اصحاب الكتل والاحزاب القادمة ل(تغيير ) العراق بعد عام 2003 ..
بصراحة ، لقد (غير) اولئك الوافدون وجه العراق ، غيروا خريطته ، فسيفسائه ، اخلاق سكانه وحالتهم النفسية ..وكان من بعض ضحايا ذلك التغيير منتسبو وزارة الاعلام الذين قضوا اشهراً يتظاهرون تحت حرارة الشمس لاعادتهم الى وظائفهم وتعرضوا الى العنف ثم انتقلوا الى مرحلة الوقوف تحت الاشجار المواجهة للوزارة ( المرحومة ) بانتظار رحمة الحكومة الجديدة الهجينة المتكونة من كافة الاطياف والملل والمذاهب تحت عنوان ( مجلس الحكم ) لمنحهم حقوقهم المالية على الأقل ..
احدى الموظفات المسنات تذكرت الاغنية المصرية (تحت الشجر ياوهيبة ) وهي تخطو بتؤدة لتتخذ لها مكانا تحت الاشجار القريبة من وزارتها التي تحولت الى انقاض تتشح باللون الاسود ..كانت قد اعتادت الحضور في نفس الموعد لاسابيع بعد ان صار متعذرا عليها وعلى زملائها استلام رواتبهم ، وبانتظار الرواتب التي قد (تأتي او لاتأتي ) كما يقول شاعرنا الكبيرعبد الوهاب البياتي ، جلست القرفصاء تحت ظلال شجرة واستسلمت للذكريات الجميلة ..تخيلت مكتبها ، الاخبار والتحقيقات المكدسة فوقه لغرض تصحيحها لغويا ..متعتها وهي ترى المادة منشورة في اليوم التالي رغم انها لاتحمل اسمها لكن لمساتها اللغوية واضحة عليها ، ورغم الاذلال الذي رافق جلستها لكنها خشيت مبارحة مكانها خشية احتلاله من زميل او زميلة اكثر منها شبابا وقوة فكل شيء بات يؤخذ بالقوة مؤخرا حتى ظلال الأشجار !!!
بعد ايام ، فوجئت الموظفة التي بدأت مدخراتها تنفذ بوجود مكاتب ومقاعد تجلس عليها موظفات الحسابات (السابقات ) وهن منهمكات باعداد قوائم على أمل تسليم الرواتب في الاسبوع المقبل ..وتحت الاشجار ايضا......مصادفة ، مرت امرأة متسولة مع طفلين بثياب قذرة واطلقت ضحكة شامتة وهي تقول :" هاي تاليها ..موظفات تحت الاشجار " ...فردت عليها احدى المحاسبات قائلة :" اللهم لاشماتة ياخالة ، كلنا عراقيون ومصيبتنا واحدة" ..
وخفت وطأة المصيبة وحصل موظفو الاعلام على رواتبهم وشعروا بحسنات ( التغيير ) حين ارتفعت رواتبهم بمرور السنوات وتم تنسيبهم على الدوائر التابعة لوزارة الثقافة ..هم لايريدون ان يتبطروا على ( النعمة ) المادية رغم عدم شمولهم بالسلم الوظيفي كبقية الوزارات والغبن الذي رافق درجاتهم الوظيفية ثم تصفير رصيد اجازاتهم مؤخرا ، فهم (مذنبون ) وإن لم يرتكبوا ذنبا ..وذنبهم الوحيد انهم كانوا اعلاميين في زمن القائد (الضرورة)، لكن اغلبهم يشعر بالحسرة لأنه غادر الابداع الصحفي وترك الهم الصحفي واصبح موظفا ينتظر راتبه فقط ..لعلها جريمة من جرائم ( التغيير ) ان يتحول الصحفي الى موظف لايجاري الموظفين الحقيقيين مكانة وحقوقا وظيفية ولايطارد احلامه الصحفية ويزرع حروف ابداعه في الاصدارات المختلفة فهو محكوم بدوام رسمي طويل جدا واوامر ادارية مجحفة وامزجة المدراء العامين ..موظفو الاعلام يتحرقون شوقا الى عودة وزارتهم ( الاعلام) والى صحف رصينة مستقلة لاتنادي باسم رموز أو أحزاب او كتل، ليشعروا حقا ب( التغيير ) ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram