العاملون في مكاتب مؤسسات دولية في بغداد ، واجهوا في الايام القليلة الماضية صعوبة في الحصول على مستحقاتهم المالية المرسلة اليهم بالدولار ، فكانوا امام خيارين إما تسلم الحوالات بالدينار العراقي بالتصريف الرسمي او الانتظار ساعات طويلة لحين قيام احد العملاء بايداع مبلغ بالعملة الصعبة، مكاتب الصيرفة المنتشرة في العاصمة هي الاخرى تشكو قلة رصيدها من العملة الاجنبية ، فاجبرت مراجعيها على الانتظار ، عسى يفتح باب الفرج ، فيحصل صاحب الحوالة على المبلغ ، بعد ان شاهد نجوم الظهر في نهار قائظ بدرجة حرارة اقتربت من الخمسين مئوية .
مكاتب الصيرفة تتعامل مع الدولار بحسب سعر السوق، أما المصارف الاهلية فتعتمد التصريف الرسمي بمبلغ مئة وثمانية عشر الف دينار ، استنادا الى تعليمات البنك المركزي، تنفيذا لسياسة التقشف الحكومية ، اعداد قليلة جدا من العاملين في مكاتب مؤسسات دولية في بغداد والمحافظات ، ينتظرون العطف الحكومي الرسمي لضمان الحصول على مستحقاتهم الشهرية ، وهي قليلة مقارنة بمبالغ تدفع لاستيراد اللبن والبطيخ بنوعيه الاحمر والاصفر من دولة جارة ، اغرقت اسواقنا المحلية ببضائعها للتعبير عن دعمها الحقيقي للعراق حكومة وشعبا في حربه ضد الارهاب ، وتحرير اراضيه من سيطرة الجماعات المسلحة المتطرفة .
في زمن فرض العقوبات الاقتصادية وخضوع العراق لبنود الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة على خلفية غزو الكويت ، كانت الحكومة العراقية وقتذاك تمنح للوفود الرسمية امتياز الحصول على الدولار بالسعر الرسمي ، المعتمد منذ سبعينات القرن الماضي ، ثلاثة دولارات بدينار واحد من فئة الطبع وليس السويسري القديم على ان لا يتجاوز المبلغ 400 دولار ، هذه التسهيلات لم تكن متاحة لجميع العراقيين ، لن ينالها الا من كان ذا حظ كبير ، يلتفت اليه القدر في لحظة عابرة ، فيحافظ على دولاراته خلال السفر ، ثم يصرفها في الاسواق المحلية بعد العودة ليحصل على ثروة مالية بحسابات ذلك الزمن ، تعينه على مواجهة "الحصار الجائر" بمكرمة حكومية سخية .
عرف البغداديون مطلع القرن الماضي الفنان الراحل جعفر لقلق زادة ، بتقديم مشاهد هزلية مضحكة في مقاهي وملاهي العاصمة ، يقال ان زادة وطبقا لباحثين ودارسين ، استخدم اشبه ما يعرف بالكوميديا السوداء لتسليط الضوء على ظواهر ترسخت داخل المجتمع العراقي بفعل التقاليد والاعراف السائدة ، وحان وقت نبذها ، انسجاما مع حركة التطور ، مشاهد المرحوم زادة كانت تتضمن توجيه النقد الى اصحاب القرار لانشغالهم بقضاياهم الشخصية ، فيما يعاني شعبهم الجوع والفقر والمرض ، الكاتب المسرحي عادل كاظم وظف شخصية جعفر لقلق زادة في مسرحيته "نديمكم هذا المساء" اخراج محسن العزاوي ، قدمت على مسرح الرشيد الخرابة حاليا ، منتصف التسعينات ، في ذلك الوقت تعاطف الجمهور مع "بستة " منسوبة الى المرحوم زادة يقول فيها بطريقة اداء المربع البغدادي ( آخ يالدينار من جيبي طفر ) لإعطاء صورة واضحة عن الافلاس المزمن ، المربع ربما سيستعيد حضوره في ظل اعتماد السياسية التقشفية وشد الحزم على بطون العراقيين لحين ارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية .
دينار لقلق زادة
[post-views]
نشر في: 15 يونيو, 2015: 09:01 م