TOP

جريدة المدى > سينما > "آبري مي" لأوليفييه أساياس.. ذكريات غاز مسيل للدموع

"آبري مي" لأوليفييه أساياس.. ذكريات غاز مسيل للدموع

نشر في: 18 يونيو, 2015: 12:01 ص

تواصل أحداث أيار 1986 الحياة في السينما الفرنسية والاوروبية على نحو مثابر – نوقشت بشكل مكثّف وعُزَّت وجُعل منها أسطورة. نشقة من غاز مسيل للدموع هي ضوع عطِر. ثم ألم تكن السينما نفسها، ومحاولة الاستيلاء على السينماتيك فرانسيز بزعامة هنري لانغلوا،

تواصل أحداث أيار 1986 الحياة في السينما الفرنسية والاوروبية على نحو مثابر – نوقشت بشكل مكثّف وعُزَّت وجُعل منها أسطورة. نشقة من غاز مسيل للدموع هي ضوع عطِر. ثم ألم تكن السينما نفسها، ومحاولة الاستيلاء على السينماتيك فرانسيز بزعامة هنري لانغلوا، هي التي ساهمت في إطلاق شرارة الثورة في باريس؟ فيلم " عشّاق منظمون " لفيليب غاريل ( 2005 )، يصوّر شاعرا شابا، يؤدي دوره ابن المخرج لوي، لاجئا الى المتاريس في أيار 68. لوي غاريل يؤدي دروا مشابها في دراما النشوة الثماني- ستينية لبرناردو برتولوتشي، " الحالمون " ( 2003 ). قبل ذلك، فيلم " ميلو في أيار " ( 1990 )، بطولة ميشيل بيكولي في دور ميلو القادم من الأقاليم، والذي تكون ملكية أسرته في أيار 1968 على شفا التمزق بواسطة التاريخ نفسه.
فيلم اوليفييه اساياس " آبري مي " أو " بعد أيار "، يسير على هذا المنوال. أطلق للعرض هنا تحت عنوان " في الأمر شيء "، وحقا ثمة شيء: كتلة إسمنتية موجهة الى جمجمة حارس أمني. بالأكثر في لحظة واحدة. تدور الأحداث في عام 1971، عندما كانت الروح الثورية ما تزال حاضرة، لكنها بدأت تتلون بالتراخي، بالغضب، بالعنف وبإحساس مضايق من السعي وراء لقمة العيش والبحث عن وظيفة. هذا هو فيلم جميل المظهر بحسّ مؤكَد بالزمان والمكان؛ هو من الواضح شخصي، وفي الواقع، عمل سيري- ذاتي حول شباب اساياس نفسه. لكن برغم موهبته الطبيعية، راودني شعور بعدم الرضا من الاستغراق الهائل في الذات والرضا الذاتي، والطريقة التي كانت بها النظرة والمغزى التاريخيان متاحان للتبدد في نوستالجيا شجية. إحساسه بالسياسة الثورية يختلف الى حد كبير عن الدراما القاسية، الرهيبة للملحة السينمائية لاساياس، " كارلوس "، حول الارهاب العالمي.
كليمانت ميتاييه هو جيل، فتى مسيّس، تلميذ في المدرسة الثانوية ويطمح الى أن يصبح فنانا، يشارك بشكل غاضب في الروح الراديكالية للعصر: عاشق لورا ( كارول كومب )، لكن علاقتهما منحّلة، لأنها تعيش في انكلترا، وجيل ينجذب بإطّراد الى كريستين الجميلة ( لولا كريتون ). بسبب تنامي الوعي، يقوم جيل ورفاقه بطبع نشرات دعائية سياسية على آلات ناسخة، ويتسللون الى المدرسة في الليل لتغطية جدرانها بكتابات ثورية. لكن ذلك لم يجر ببساطة: كتلة إسمنتية رُميت من فوق درابزين ممشى تصيب حارسا أمنيا واقفا تحت، فيقع مغشيا عليه، وهذا الفعل الخطير من العنف – اللحظة الواحدة، التي تكون فيها فكرة العنف بكاملها مجسّدة – يعني ان على جيل مغادرة المدينة. يتجه جنوبا نحو ايطاليا ويجد أنه كلما توغّل في الجنوب أكثر، كلما أمست الروح الثورية أكثر وهنا وأكثر متعية، مختلفة جدا عمّا كانت عليه في مناقشات الغرف المتخمة بدخان السكائر في باريس.
شيء كثير يحدث لجيل ومعاصريه أثناء الفيلم: أفلام تجريبية عن ثورة العمال في جنوب شرق آسيا وامريكا الجنوبية تُعرَض وتناقش على نحو مهتاج، كثير من الشبان الوسيمين يمارسون الجنس، وهناك المأساة. ذلك الحارس الأمني لا يظهر كثيرا في الفيلم – سوى لقاء بالصدفة محفوف بالخطر قرب النهاية – وليس من السهل القول إن كان ذهن واحد منهم تغيّر حول ما حدث لهذا الرجل المسكين. ولم يُظهِر جيل بشكل خاص أي بادرة ندم، أو شعورا بالذنب، لا بل هو أكثر جرأة حول موضوع ضرورة العنف: حين يُثار الموضوع، يكون موقف جيل واحد من مواقف الإشفاق على الذات المتوتر.
برغم كل هذا، قام اساياس بعمل رائع بغمرك في عالم منسي. في بداية الفيلم، يقلّب جيل في مجموعته الواسعة من الاسطوانات فيضع أغنية سيد باريت " ضحكات طائشة " على القرص الدوّار. اختيار جيد. ومن ثم يحين الوقت للقاء رومانسي مع فتاة، تقول له في ما بعد: (( زوج أمي يقوم بأعمال الإضاءة في عروض السوفت ماشين [ فرقة بوب موسيقية ] )). مدهش. من الواضح أن جيل وأصدقاءه لهم اتصالات واسعة، فحين توجب عليه السفر عبْر اوروبا، يصبح واضحا انها ليست مجرد شبكة من الخلايا الثورية، تقدّم له الطعام والمبيت – أسرته هي حقا ميسورة الحال. رغم أن مسألة المال لم يشر لها أبدا، فمن الواضح أن هذا النوع من السفر هو ليس للبروليتاريا.
مثل اساياس نفسه [ اساياس هو ابن المخرج جاك ريمي ]، ينتهي جيل الى الحصول على وظيفة مع أبيه، المخرج التلفزيوني – يتبادلان نقاشا مسلّيا حول روايات ميغريه لجورج سيمنون المقتبسة للشاشة الصغيرة . ومن ثم – أوه، أين الكرامة – يجد جيل نفسه عاملا في فيلم عن الديناصور غوفي في ستوديوهات باينوود في بريطانيا اللاسينماتيكية. ماذا كان فرانسوا تريفو سيقول عن هذا؟
على نحو لا يلين، يتحول الهوى الثوري الى رومانس صيفي. لكن ما الذي تم خيانته في هذا، وأي مبادئ بقيت حية؟ تضيع الأفكار في الاحتدام النوستالجي، الرثائي، لكن ذلك الاحتدام مغذّى بخبرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram