لا البرلمان ولا الحكومة ولا حتى الشعب صار يهتم بأرقام قتلانا وسبايانا واراضينا ومدننا المحتلة وملياراتنا المسروقة والعاطلين فينا عن العمل. سهل علينا الهوان جميعا يا شاعرنا العتيق. وها انا بين اضلاعي صرخة لا أدري الى اين أذهب بها. الحائرون بزرعات "حميّد" وابيه قطعا سيقولون عني: هذا طبعه يبحث عن السلبيات ولا يذكر الإيجابيات. يابا دلّونا على الإيجابيات وأين تسكن؟ والجواب اما سكتة غبي او كلام من هو أغبى لتجد القليل الذي قاله من الزينات يعود فضله للأميركان.
أيها الناس: الشباب والشابات العراقيون صاروا ينتحرون بأعداد لم نسمع بها منذ خلقنا. هذا يعني ان الحياة صارت عندهم ما تسوه فلس؟ فمن الذي سوّاها؟
هناك دراسة اكاديمية مهمة قد تحمل في نتائجها سببا مهما. الدراسة صدرت من جامعة ذي قار وجاء فيها ان نسبة الانتحار في الناصرية تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات. وان نسبة بنات الناصرية المنتحرات تشكل 65% من عموم المنتحرين.
ظاهرة الانتحار تنتشر عادة في المدن الكئيبة او المتصحرة روحيا. والناصرية آخر مكان يمكن ان يستحق هذا الوصف. انها كانت منذ القدم مدينة الموسيقى والحب والشعر والحياة. الغناء العراقي كله مدين لهذه المدينة التي منحته أعذب الالحان وأجمل الأصوات وأرق الكلمات. كان الغناء والفن هو الطريق الروحي الذي يربطها ببغداد أكثر من الطريق الجغرافي. طريق يمر من "عكد الهوى" الى "أبو نؤاس" ولا يعرفه الا الراسخون بالحب.
انتحار بنات الناصرية بهذه النسبة المرتفعة قد يكون من بين أسبابه خلل اقتصادي او اجتماعي، كما يرى المحللون التقليديون. لكنني اشم رائحة سبب "روحي" أعمق.
لكل مدينة نجومها الخاصة وشمسها وقمرها الخاصين أيضا. لا يراهم الغرباء ولا الطارئون ولا الظلاميون. متى ما غابوا عنها فقدت المدينة طعم الحياة.
لا أدعي التنبؤ، لكني توقعت هذا الذي يحدث واسوأ منه في الناصرية من اليوم الذي نقل لي فيه ان المحافظ الذي عين عليها بعد السقوط لم يعرف من هو حسين نعمة ولم يسمع باسمه من قبل.
وقد ارد للناصرية ردود في عمود آخر.
انتحار بنات الناصرية
[post-views]
نشر في: 19 يونيو, 2015: 09:01 م